في التعاطي مع ملفّي «شمس أف.أم» و«الهايكا» : التردّد يزيد في تعميق الأزمة
تلقّى العاملون في إذاعة «شمس أف. أم» المصادرة قبل يومين من نهاية السنة الإدارية 2023 إعلاما بإلحاقهم بمؤسسة الإذاعة الوطنية، وتمّت دعوتهم على هذا الأساس لحضور اجتماع بمقرّ مؤسستهم «الجديدة» يوم الثلاثاء 2 جانفي 2024، لكن سرعان ما تم إعلامهم قبل دخول العام الجديد بساعات بأن الأمر سيستمر على ما هو عليه، وأنهم مدعوون في المقابل للالتحاق بالعمل بإذاعتهم الأصلية إلى أن يأتي ما يخالف ذلك..
في غضون ذلك، نشرت عضوة الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي البصري «الهايكا» سكينة عبد الصمد تدوينة على صفحتها الخاصة بالفايسبوك تكشف فيها ان رئيس الحكومة كلّف الكاتب العام للهيئة بإيقاف صرف رواتب أعضاء مجلس الهيئة وهو ما أكده عضو الهيئة أيضا هشام السنوسي الذي أوضح في تصريح لوكالة الأنباء الرسمية ان هذا القرار لا يطال موظفي الهايكا وإنما أعضاء مجلسها فقط واعتبر على غرار زميلته أن «هذا الإجراء ضريبة تدفعها الهايكا بسبب دفاعها عن استقلاليتها وعدم انخراطها في سياسة الولاءات» حسب زعمه..!.
ولئن كانت ملفات بقية المؤسسات الإعلامية ببلادنا وقطاع الإعلام بشكل عام بحاجة الى «تدخل جراحي» سريع كما يقال، فإن الوضع في هذه الإذاعة المصادرة وفي المؤسسة «المستقلة» لم يعد يحتمل الانتظار والتردّد في معالجته بسرعة ونجاعة وهو أمر مثمر للعاملين في هذين المؤسستين أولا وللدولة التونسية ثانيا للعديد من الاعتبارات.
بالنسبة الى «شمس أف. أم» وفي الوقت الذي يؤكّد فيه رئيس الجمهورية على ضرورة التسريع في تسوية وضعية الأملاك المصادرة والاستفادة منها واسترجاع حق الشعب التونسي فيها، يكتنف الغموض مصير هذه الإذاعة ويطول المسار القضائي فتستمر معاناة العاملين فيها والأمر الثاني الذي لا يقل خطورة عن الجانب الاجتماعي والإنساني هو تعرّض واحدة من أفضل التجارب الإعلامية في بلادنا الى خطر الاندثار..
ان الجهة التي أعلمت أبناء «شمس أف. أم» بإلحاقهم بالإذاعة الوطنية لا نخال انها تصرّفت من تلقاء نفسها بل المنطق يفترض وجود قرار بذلك يتجاوز حتى الساهرين على المؤسسات الإعلامية الى المسؤولين في الوظيفة التنفيذية في الدولة وتحديدا في القصبة في مقر الحكومة التونسية، وبالتالي فان التراجع يحتاج إلى توضيح وقد لا نحتاج الى توضيح بقدر ما نحتاج إلى حلّ جذري ونهائي ينصف أبناء «شمس أف أم» ولا يشكل عبءا على الإذاعة الجديدة بقدر ما يكون عنصر ثراء وإبداع فيها كما يتوقع الكثيرون.
أما بالنسبة إلى الهايكا فمسلسلها طال أكثر من مسلسل «شوفلي حلّ»، والحلّ بسيط للغاية فيه جوانب قانونية شبه واضحة وفيه أيضا جوانب سياسية واجتماعية ومهنية يجب أخذها بعين الاعتبار.
إن الحفاظ على موارد الشغل بالنسبة الى العاملين في الهايكا مسألة أساسية لا جدال فيها وحتى امتيازات أعضاء مجلسها يمكن التساهل في التعاطي معها ومثلما تكبدّت الدولة مصاريفهم لعشر سنوات لا تهم بضعة أشهر إذا كان ثمّة في الأفق حلّ جذري.
ثانيا لقد حان الوقت لفتح ملف هذه المؤسسة المستقلة التي نشأت بموجب المرسوم عدد 116 زمن حكم الترويكا بقيادة تنظيم النهضة والتقط مجلسها أنذاك تلك الصورة التذكارية في قصر قرطاج مع رئيس الجمهورية الأسبق المنصف المرزوقي، حينها كانت المحامل الإعلامية بالعشرات، صحف ورقية ومشاريع تلفزات واذاعات بالجملة وكلمة السر كانت التعديل ثم التعديل ثم التعديل بالاستناد الى التجارب المقارنة..!
باعتماد المقارنة يطرح السؤال بحدة، ماذا بقي في المشهد السمعي البصري تحديدا وكيف هو حال مؤسساتنا الاعلامية وكيف حال العاملين فيها؟
إننا ندرك جيدا أن المسؤولية لا تلقى برمّتها على الهايكا، لكنها تتحمل قسطا وافرا منها بحكم الصلاحيات القانونية التي كانت بيدها والإمكانيات المادية الكبيرة التي وضعت على ذمتها، وفي الوقت الذي كان فيه تأجير الصحافيين بالحد الأدنى الذي لا يرتقي حتى إلى الأجر الأدنى الفلاحي كان العاملون والمسيّرون في الهايكا يحظون بأجورهم وامتيازاتهم بانتظام..
ولعل ما عقّد الأمور هو الأزمة السياسية الدائمة التي جعلت مجلس الهيئة في مأمن من الاهتمام والتغيير والإصلاح، وحتى الترميم الذي كان يحصل بين الفينة والأخرى بسبب استقالات متواترة ومثيرة للحيرة صراحة لم ينجح في ضخ دماء جديدة فيها.
قانونيا أيضا تعقّدت الأمور بموجب دستور 2014 والأحكام الانتقالية الواردة فيه والجدل حينها حول شرعية استمرار مجلس الهيئة في العمل الى ان يتم تركيز الهيئة الدستورية التي غابت بدورها عن دستور 2022 وهذا يعني مبدئيا أن ترميم الهيئة من صلاحيات الوظيفة التنفيذية اليوم وهو ما لم يتحقق الى الآن ولذلك لا يمكن اعتبار إيقاف أجور وامتيازات أعضاء الهيئة حلا مناسبا بل الحل في حلّ جذري.
إننا نحتاج اليوم إلى عملية تقييم علمي دقيقة وموضوعية تأخذ بعين الاعتبار الجهود التي بُذلت منذ ملحمة 14 جانفي 2011 غير المكتملة وتحصّن مكسب الحرية المهددّ على الدوام، وفي نفس الوقت تبتعد عن الارتجال وعن سوء إدارة المشاريع المدعومة ماليا من الخارج التي لم يكن العيب في مضامينها بقدر ما كان في طريقة تنفيذها في النزل الفاخرة والأطر الضيقة في غفلة من الحكم ومن الصحافيين المباشرين يوميا للمهنة دون أن ننسى أهمية ما يتحدث عنه البعض بخصوص ضرورة وجود سياسة عامة للدولة في مجال الإعلام.
في تفاعل بعض الوزراء مع نواب المجلسين : شيء من الواقعية وشيء من المبالغة أيضا..!
تتواصل تحت قبة البرلمان هذه الأيام الجلسات العامة المشتركة بين مجلس نواب الشعب والمجلس الو…