ساعات قليلة وتنسحب غير مأسوف عليها : 2023.. سنة غزّة بكل اللغات..!
يخرج هذا العام غير مأسوف عليه.. بطيئا متلكّئا متعثّرا في جرائمه الكبرى وتشوهاته المحفورة على جسد أيّامه ولياليه… يخرج مخلفا وراءه لون الجريمة وأثرها ودويّ السقطات الكبرى بل قل الانهيارات التي كسرت كل ما كنّا نعتقده قيما ومبادئ ومظاهر تعايش مشترك… بحيث لم يعد لهذا المشترك معنى ولم يعد لقيم مثل الحق والعدل أو المساواة أي معنى وقد افرغت من محتواها وتحوّلت الى ما يشبه الخردة في أسواق البيع والعرض تحت الطلب الرخيص…
هي سنة الانتكاسات الكبرى وسنة السقوط الكبير لكل المواثيق الدولية وكل المؤسسات التي تم إنشاؤها بعد الحرب العالمية الثانية من أجل حماية الشعوب ومن أجل إعلاء حقها في تقرير مصيرها… وسنة 2023 هي سنة «غزة» بكل المقاييس وبكل العناوين وبكل اللغات.. «غزة» التي أسقطت كل الأقنعة وكل الزيف وكل الانتهازيات… غزة التي فضحت الجريمة وقدمتها عارية تماما كالحقيقة حقيقة الهيمنات القديمة أو الدول الاستعمارية القديمة التي تتحكم في مصائر الشعوب وفق «آليات فرز» استعماري وعنصري
سيذكر التاريخ أن سنة 2023 قد هتك شهرها العاشر وتحديدا يوم 7 أكتوبر من سنة 2023 عرض الجيش الصهيوني وحوّله الى أضحوكة بين جيوش العالم… حيث تم اختراق كل تحصيناته العسكرية والاستخباراتية بعملية أطلقت عليها المقاومة اسم «طوفان الاقصى» وهو طوفان مشهود ضرب جيش الاحتلال في مقتل وأصابه بجنون تحوّل الى ردّة فعل هيستيرية دمرت الحجر والبشر من خلال هجمة حربية شاسعة برية وبحرية وجوية شنّها الجيش الصهيوني على قطاع غزة بعتاد وذخيرة محظورة دوليا منتهكا في ذلك كل المواثيق الدولية فأباد عائلات بأكملها وهجّر شعبا ودفع به الى ملاذات موت بل طارده على أرضه من شمالها الى جنوبها وقد تجاوزت حصيلة الشهداء أكثر من عشرين ألف أغلبهم من النساء والاطفال…
سيذكر التاريخ ان سنة 2023 كانت السنة التي انهارت فيها فرنسا حقوق الانسان وسيذكر ان رئيسها «ماكرون» لم يتردّد منذ القدحة الاولى للحرب في اعلان موقفه المساند مطلقا للكيان الصهيوني في حربه على غزة سيذكر التاريخ ان
«ماكرون» رئيس الجمهورية الفرنسية «كان شاهد زور» في حرب الحق فيها بيّن وكذلك الباطل.. الحق لأصحاب الارض الاصليين وهم يقاومون ضدّ الباطل الذي احتلّ أرضهم…
سيذكر التاريخ ان أمريكا «بايدن» قد دفعت بترسانة كبرى وبأسطولين حربيين من أجل اسناد الجيش الاسرائيلي في حربه ضدّ المدنيين العزل وبأن جنرالاتها هم من يديرون الحرب على الأرض المحتلة…
سيذكر التاريخ أن سنة 2023 هي السنة التي رفعت فيها الولايات المتحدة الأمريكية «الفيتو» في مجلس الامن الدولي أكثر من مرة للاطاحة بقرارات وقف فوري لاطلاق النار على غزة رغم فظاعة الجريمة ما يعتبر تأشيرة مفتوحة للتنكيل بغزة وبأهلها وبأطفالها ونسائها… لقد أشرت أمريكا على قتل العزل «بآليات القانون الدولي» حيث استعملت «حق النقض» لاعلاء الباطل وهو ما دفع بعدد من الدول الأعضاء الى الدعوة الى مراجعة هذه الآلية باعتبار انتمائها لعالم قديم أو الانسحاب من مجلس الأمن الذي تحول ـ بدوره ـ الى شاهد زور يشرعن لجرائم الحرب والابادة.
سيذكر التاريخ ايضا ان سنة 2023 هي سنة موت المؤسسات العربية وعلى رأسها جامعة الدول العربية التي أبانت الحرب على غزة أنها هيكل بلا معنى وبلا محتوى وبلا قرار وغير قادرة على التحرك بما ينهي أو بما يخفف المأساة في غزة فلا ثقل ولا وزن لها ضمن خارطة المنتظمات والهياكل الدولية ووجودها يعتبر عنوان خجل للشعوب العربية.
سيذكر التاريخ ان سنة 2023 كانت سنة العار بالنسبة للدول العربية المطبعة مع اسرائيل والتي لم تخجل من وقوفها ضد استعمال ورقة النفط للضغط على الكيان الاسرائيلي بل هي رفضت الانصات لمقترح جزائري ـ عراقي دعا الى رفع ورقة النفط في وجه اسرائيل وفي وجه كل الدول المساندة لها اضافة الى منع الطيران الاسرائيلي من الهبوط في المطارات العربية… وقد تجاهلت القمة المندمجة العربية الاسلامية التي انعقدت مؤخرا بالسعودية هذه المقترحات وتجاهلتها دول التطبيع العربي واكتفت باصدار بيان ختامي أسميناه بيان العار والذي خذل غزة وأهلها وخذل الشعوب العربية التي كانت تتوقع من حكّامها خطوة بحجم الجريمة.
سيذكر التاريخ أنّ سنة 2023 كشفت حجم تواطؤ حركة فتح ومدى تهافتها على السلطة بحيث لم يتردد محمود عبّاس في أوجّ النكبة بالدعوة الى انتخابات مبكرة وبأنّ سلطته مؤهلة لحكم غزّة بعد الحرب. وكانت غزة ـ وقتها ـ دمارا تحت الأرض.
سيذكر التاريخ أنّ سنة 2023 كانت السنة التي انقلبت فيها كل القيم بحيث أصبحت المقاومة إرهابا وتحوّلت حقوق الانسان الى تعلة لتدمير حقوق الشعوب وتحوّل الاستعمار الاستيطاني العنصري الى «ضحيّة» بصدد الدفاع عن نفسه وذلك بإبادة وتهجير السكان الأصليين وتحوّلت المواثيق الدولية الى أقفال ثقيلة بين يدي الدول الاستعمارية القديمة.
لقد أسقطت غزة كل هذا… أسقطت مجلس الأمن ونزعت عنه مصداقيته وأسقطت الاعلام الغربي وكشفت ألاعيبه عرّت زيف الديمقراطيات الغربية والأمريكية وأطاحت بأدبيات العدل والمساواة وحقوق الانسان. عرّت تخاذل وتواطؤ الدول العربية والاسلامية… كشفت كل هذا وانتصرت في هتك عرض «مروية الجيش الذي لا يقهر» ودفعت به الى مستنقع لن ينجو منه ولن يخرج منه منتصرا في كل الأحوال. لقد نجحت المقاومة في دفع العالم الى التفكير في مستقبل الجغرافيا ما بعد «غزّة» انطلاقا من تاريخ 7 أكتوبر 2023 أي من تلك اللحظة التي قدح فيها «طوفان الأقصى» النار في وجه «جيش» كان قبل ذلك لا يقهر.
العالم بصدد التهيّؤ لتبدلات جيوسياسية كبرى وعميقة زائد بداية تشكل تكتلات اقتصادية ومالية ضخمة ستنهي كل التوازنات الاقتصادية التقليدية فكما انقسم العالم بعد الحرب العالمية الثانية الى معسكرين فإنّ العالم ما بعد غزّة لن يكون كما هو عليه الآن…
فالشرق لن يكون شرقا تماما..والغرب لن يكون غربا تماما والعبارة لمحمود درويش عليه الكلام
2023 سنة غزة بكل اللغات..
«مجلس أعلى للثقافة».. من أجل إعادة البناء..!
من أكثر القطاعات التي تحتاج الى «حرب تحرير وتطهير» كبرى، قطاع الثقافة و«ثكنته البيروقراطي…