الدكتور عبد اللطيف الهرماسي يقارب من منظور علم الإجتماع السياسي : تونس الثورة والمحنة
يختلف المتابعون للشأن التونسي في توصيف ما حلّ ببلادنا بعد سنه 2011 وخصوصا ما تحقق للتونسيين من مكاسب وفرص وقع إهدارها باستثناء مكسب الحرية بشكل عام، وحرية الرأي والتعبير بشكل خاص وتجلت هذه الأخيرة في واقع الإعلام ولو بشكل نسبي وفي مجال النشر بشكل عام وهو ما يفسّر عدد الكتب والدراسات التي تجرّأ أصحابها على نشرها للتوثيق والتأريخ للتجربة أو قراءتها بطريقة نقدية أو حتى رسم مجد شخصي وكتابة مذكرات وسير ذاتية تصوّر البطولات الشخصية.
وسط هذا الزخم، وضع الدكتور عبد اللطيف الهرماسي أستاذ علم الاجتماع بالجامعة التونسية، والقيادي البارز بالحزب الجمهوري وأمينه العام حاليا بالنيابة، وضع ثمرة نصف قرن من النشاط البحثي الأكاديمي والنشاط السياسي في كتاب اختار له عنوان «تونس الثورة والمحنة – مقاربة من منظور علم الاجتماع السياسي».
كتاب من الحجم المتوسط، صادر عن منشورات «سوتيميديا» خلال العام الجاري 2023، يقع في 286 صفحة في طبعة أنيقة وأسلوب سلس راوح فيه الكاتب بين الشروط العلمية والأكاديمية، والبلاغة الأدبية إلى جانب التأثر الواضح بالكتابة الصحفية التي يغلب عليها فنّ التبسيط والمحاجّة التي تجذب القارئ وترغمه على التهام المتن.
وهذا التنوع والثراء مردّه خصال الكاتب الذي جمع بين الروافد السياسية والأكاديمية بحكم تجربة التحزب والعمل التنظيمي وكذلك التدريس لفترة طويلة بالجامعة التونسية علاوة على الاشتغال بالصحافة الحزبية في بيئة أقل ما يقال فيها أنها كانت معادية للحرية قبل 2011 وحتى بعدها وإن اختلفت الشخوص والأساليب والأشكال.
ولعلّ هذا الثراء في شخصية الدكتور الهرماسي هو الذي مثّل لنا تحدّيا كبيرا في الكتابة عن أثره الذي أهداه لنا، وفي إهدائه نفس تلك الصلابة التي اقتحم بها «الشاب» عالم السياسة قبل عقود ضمن أعرق التجارب السياسية اليسارية في تونس، ثم «الكهل» الذي قارع الاستبداد وكان شاهدا على عثرات الدولة الوطنية إلى أن لاح بصيص الأمل الذي سرعان ما هزته «المحنة» غداة الثورة التونسية التي «كانت حلما جميلا وبوابة للأمل».
ويقول الكاتب هنا أن الأمل «ما لبث أن تراجع في مواجهة الواقع الكاسح للأنانيات الحزبية والطائفيات المهنية والانفلاتات المطلبية، ولدولة تماهت طيلة نصف قرن مع نظام سلطوي ثم تصدّعت في ردّ فعل مجتمعي ثأري فعجزت حتى عن إنفاذ القانون، ثم حاولت تدارك أمرها بالعودة الى نهج الشخصنة والتعسف. محنة حلت محل الحلم، وهي بصدد التحول الى كابوس ولا مخرج منها الا بالحوار والبناء على المشترك». .
إن أهداف الكتاب حسب صاحبه واضحة منذ الوهلة الأولى، فهي لا تقف عند حدود توثيق التجربة التونسية وتفكيكها وتحديد المسؤوليات في ما حلّ بها ولكن إبراز نقاط القوة وأقوم المسالك في معالجة وهنها من منظور علم الاجتماع السياسي و«علم اجتماع الثورات» على وجه التحديد.
إن أسلوب الهرماسي ومنهجية البحث في هذا الكتاب، خلافا لمقالاته العلمية التي تُعد بالعشرات، وكتبه الخمس السابقة وهي : الحركة الإسلامية في تونس 1986، الدولة والتنمية في المغرب العربي 1995، ظاهرة التكفير في المجتمع الإسلامي 2010، في الموروث الديني الإسلامي 2012 المجتمع والإسلام والنخب الإصلاحية في تونس والجزائر 2018، هو أسلوب أكثر تشدّدا وتقيّدا بالمعايير الأكاديمية ووضوحا في المنهجية والمخطط الذي قسّم العمل الى ثمانية أبواب إلى جانب التوطئة وقائمة المصادر والمراجع.
يستهلّ الدكتور عبد اللطيف الهرماسي الكتاب بالحديث عن مرجعيات الثورة التونسية ويحرص على تنزيلها في السياق الحضاري ضمن معادلة النماذج الكونية ومقولة الاستثناء، وينتقد في هذا الباب الأساطير والمقدّسات التي كانت في خدمة رهانات غير مقدّسة.
ويخلص بعد ذلك إلى تمظهرات المحنة التي كانت متجليّة في ما اسماه الوثنيات الايديولوجية والعصبيات الحزبية والطائفيات المهنية وهو ما خلق صراع هيمنة وتحديات أمام العدالة الاجتماعية والتنمية وطرح مسألة التوافق الوطني الحقيقي..
كذلك موضوع ووضع المرأة، وقضية المساواة لم تغب عن اهتمام الباحث في الاجتماع السياسي حيث ربط بين تحولات الواقع والموروث الديني والثقافي الذي أجهض في النهاية كل حديث عن المساواة.
وعلى غرار البحوث الأكاديمية عامة، توقّف المؤلف عند القراءات المتعددة للثورة التونسية ودوافع ومعوقات الانتقال الديمقراطي ليخلص بعد ذلك إلى تحديد الإشكاليات التي اعترضت الدولة في علاقة باتجاهات الثورة والانتقال الديمقراطي فكان ثمّة
«صعود فرصة لإصلاح المسار الديمقراطي» لكننا وجدنا أنفسنا حسب قوله نقفز من «الدولة التنموية والتسلطية إلى الدولة العاجزة» ومن «الديمقراطية الفاسدة إلى الاستبداد الشعبوي»…
هي في النهاية قراءة أو مقاربة شخصية للثورة التونسية حرص المؤلف على ان تكون «متوازنة» بل أكثر من ذلك عمد الى التعديل الذاتي ان جاز القول واعتبرها «لا عدمية ولا افتخارية» تاركا الحكم للقارئ الذي يجد دون مبالغة شغفا لا في القراءة فقط لكن في استحضار وتمثّل محطّات عاشتها أجيال متعاقبة من التونسيين، كانت جميعها تحلم بالثورة لكن ما بعد الثورة بدا أضغاث أحلام تبخّر الكثير منها وخاصة لدى الشباب جراء معوقات عدّدها وفكّكها الدكتور عبد اللطيف الهرماسي الذي ثار بدوره على الوثنيات بكل ألوانها يمينها ويسارها، في الحكم والمعارضة ليخلص في النهاية إلى «الحاجة إلى تقييم شجاع لأداء المنظومة السياسية التي تدير الشأن التونسي منذ 2011 ولإعادة النظر أيضا في مقولة الانتقال الديمقراطي لا لغرض رفضها وإنما لإصلاح وتلافي وتجاوز أوجه القصور الكامنة فيها وفي المقدمة منها تجاهل البعد التنموي بشقيه الاقتصادي والاجتماعي وكذلك تجاهلها لمشكل الفساد بل رفضها الدخول في حرب مع أطرافه ومحيطه..»، وهذه وفق رأيه معضلة الدولة والمجتمع في تونس.
في تفاعل بعض الوزراء مع نواب المجلسين : شيء من الواقعية وشيء من المبالغة أيضا..!
تتواصل تحت قبة البرلمان هذه الأيام الجلسات العامة المشتركة بين مجلس نواب الشعب والمجلس الو…