«رفض عامة التونسيين لفكرة البرلمان» ليس وحده سبب العزوف عن الانتخابات: تدهور الوضع العام في البلاد يصرف التونسيين عن الشأن السياسي
انتهى الدور الأول من الانتخابات المحلية، الذي تم الإعلان أمس الأول عن نتائجه. في المقابل تواصل الجدل حول نسبة اقبال الناخبين على التصويت التي كانت حسب ما اعلنته الهيئة العليا للانتخابات في حدود 11.84 بالمائة. هذه النسبة الضعيفة والمخيّبة للآمال أثارت حولها في آن واحد عديد نقاط التساؤل والتعجب.
ولم تتأخر إجابة رئيس الجمهورية قيس سعيد عن مردّ عزوف التونسيين عن الانتخابات. اذ أعلن خلال زيارته إلى مصنع الفولاذ بمنزل بورقيبة يوم الثلاثاء الفارط وفق فيديو نشرته رئاسة الجمهورية حول هذه الزيارة انّ سبب العزوف عن التصويت في انتخابات المجالس المحلية هو «رفض عامة التونسيين لفكرة البرلمان».
وقال ايضا «هذا الرفض كان بسبب البرلمانات التي كانت صورية قبل 2011، ثم البرلمانات التي كانت تتحكم فيها المافيات بعد 2011». ليضيف أنه «لا بد من وقت حتى يستعيد التونسي ثقته في من يتولى أمره».
والانتخابات المحلية التي انتظمت الاحد الفارط والتي تمثل آخر حلقة في سلسلة تشكيل مؤسسات الحكم وفقا لرؤية الرئيس قيس سعيد، كان قد سبقها تنظيم الاستفتاء على الدستور الجديد في 25 جويلية 2022. وكانت نسبة التصويت في حدود 28 بالمائة. كما تم تنظيم الانتخابات التشريعية المبكرة في ديسمبر 2022.
وعرفت نسبة مشاركة في دورتيها الأولى والثانية في حدود الـ ٪11. لتسجل النسبة الأضعف في نسب المشاركة في الانتخابات التي تم تنظيمها بعد 2011.
وللتذكير فان نسبة المشاركة في انتخابات المجلس الوطني التأسيسي ناهزت 52 بالمائة وفي الانتخابات التشريعية لسنة 2014 كانت هذه النسبة في حدود 60 بالمائة لتتراجع في الانتخابات التشريعية لسنة 2019، حيث بلغت قرابة 42 بالمائة. وكل هذه المحطات الانتخابية التي سبقت مسار 25 جويلية كانت قد حكمتها ظروف وسياقات سياسية واقتصادية وامنية معينة مرت بها البلاد ودفعت بنسبة تعتبر نسبيا هامة من الناخبين للتوجه الى صناديق الاقتراع. لنلاحظ في تشريعية 2022 التي جاءت في سياق استثنائي ما يمكن وصفه بانهيار نسبة المشاركة في التصويت. لتأتي الانتخابات المحلية بعد هذا الموعد الانتخابي لتؤكد ظاهرة عزوف التونسيين عن الانتخابات بصفة خاصة وعن الشأن السياسي عموما، بعد ان تبخر أملهم من انتخابات الى أخرى في تغيير حالهم وحال البلاد نحو الأفضل.
ومن المفارقات ان نجد رئيس الجمهورية يبرر عزوف التونسيين عن المشاركة في الانتخابات بغياب الثقة في البرلمانات ولكنه في الان ذاته يمضي قدما نحو إرساء المجلس الوطني للجهات والأقاليم الذي يمثل غرفة تشريعية ثانية ستعمل الى جانب البرلمان الحالي. وذلك تطبيقا لما جاء في الفصل 56 من دستور 2022 والذي نص في بابه الثالث الخاص بالوظيفة التشريعية على نظام تشريعي بغرفتين.
وما قدمه سيادته من تبريرات حول أسباب العزوف يعتبر نسبيا صحيحا، لكنه ليس كل الحقيقة. فواقعيا ضعف الإقبال عن الانتخابات المحلية يعود الى عديد العوامل التي يتداخل فيها السياسي بالاجتماعي والاقتصادي. فكما يمكن ان يعبر ذلك عن القطيعة بين التونسيين والشأن السياسي، فانه قد يمثل في جانب منه نتيجة لغياب الأحزاب السياسية عن هذه الانتخابات التي اقتصرت الترشحات لها على المستقلين وعلى الأحزاب الداعمة لمسار الرئيس، وهي عدديا وجماهيريا تعتبر اقل من الأحزاب المعارضة له. كما ان تدني نسبة المشاركة قد تعكس من جانب آخر رفض نسبة هامة من الشعب لمسار قيس سعيد المتجه نحو تأسيس النظام القاعدي.
وربما أسهم الانصراف المفرط لرئيس الجمهورية في الشأن السياسي على حساب الشأن الاقتصادي والاجتماعي في ازدياد نسبة عزوف التونسيين عن الانتخابات. كما ان هؤلاء قد ملّوا التسويف والوعود الانتخابية الزائفة التي يقدمها المترشحون، الذين تعودوا على انهم بمجرد اعلان فوزهم ان يتنكروا لناخبيهم. وهذا السلوك في حد ذاته يمثل دافعا وجيها للشعور الكبير بالإحباط والقرف من المشاركة السياسية ومن الطبقة السياسية عموما.
وما لم يذكره رئيس الجمهورية في تبريره لإدارة التونسيين ظهورهم للعملية الانتخابية وتجاهلهم لها وتسببهم في نسبة متدنية بل ومخيّبة للتصويت في الانتخابات المحلية، هو حجم الضغوطات الاقتصادية التي سحقت الطبقة الفقيرة وفقّرت الطبقة المتوسطة وتسببت في تآكلها. فاليوم أغلبية التونسيين مصابون بحالة احباط وبخيبة امل بسبب التدهور الحاد في قدرتهم الشرائية وما يعانونه من نقص في المواد الغذائية الأساسية. كل ذلك بالإضافة الى تدهور الوضع العام في بلادنا في كل المجالات لا يمكن إلا أن يدفع التونسيين إلى الابتعاد عن الشأن العام وعن المشاركة في الحياة السياسية. وقد يمثل ذلك ضوءا أحمر أمام المحطات الانتخابية القادمة التي قد تشهد نفس نسبة العزوف ما لم يتلق التونسيون إشارات إيجابية تنبئ بوجود نوايا جدية لتحسين أوضاعهم وأوضاع البلاد السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
تسهيلات وامتيازات مالية وتطوير الإطار التشريعي لفائدتها : رفع كل الإشكاليات التي تعطّل بعث الشركات الأهلية..
في لقاء جمعه أمس الأول بوزير التشغيل والتكوين المهني وكاتبة الدولة المكلفة بالشركات الأهلي…