الرئيس يؤكد حرصه على مواصلة بناء كل مؤسسات الدولة : هل ستكون المحكمة الدستورية إحدى الأولويات؟
توجّه رئيس الجمهورية قيس سعيد مثله مثل بقية الناخبين يوم الأحد الفارط للقيام بواجبه الانتخابي في الانتخابات المحلية في دورها الأول الذي من المنتظر الإعلان عن نتائجه الأولية اليوم الاربعاء 27 ديسمبر الجاري. وبينما أدلى الناخبون بأصواتهم وغادروا مراكز الاقتراع، فإن الرئيس إثر ادلائه بصوته قام بتقديم تصريح لمختلف وسائل الإعلام التي واكبت الحدث بمدرسة المنيهلة 1، أكد في احدى نقاطه على ضرورة الحرص على استكمال بناء المؤسسات على غرار المحكمة الدستورية والمجلس الأعلى للتربية.
وفي هذا التصريح شدد سعيد على أن المهم ليس المؤسسة والنص القانوني بل المهم هو تحقيق الأهداف والمقاصد. ليضيف قائلا «نحن في سباق ضدّ الساعة لاختصار المسافة في التاريخ وسنعمل على أن تكون كل المؤسسات قد تمّ إنجازها…فكثيرة هي النصوص التي وضعت في عديد المراحل وبقيت نصوصا لم تحقق الأهداف وكثيرة هي المؤسسات لكنها لم تؤد دورها. سنعمل على أن تكون النصوص موجودة في الواقع وليس في الرائد الرسمي وسنعمل على أن تكون مؤسساتنا فاعلة تعبر عن تطلعات الشعب التونسي…» ليشدد في السياق ذاته حرصه على مواصلة بناء كل مؤسسات الدولة في القريب العاجل من أجل بناء الجمهورية الجديدة.
وتمثل الانتخابات المحلية في حد ذاتها خطوة نحو استكمال مؤسسات الدولة باعتبارها ستفرز 279 مجلس محلي ستكون نواة أساسية لتشكيل المجالس الجهوية ومجالس الأقاليم وصولا إلى المجلس الوطني للجهات والأقاليم. وذلك تطبيقا للفصل 56 من دستور جويلية 2022، والذي نص في بابه الثالث الخاص بالوظيفة التشريعية على نظام تشريعي بغرفتين. ويأتي ذلك في انتظار وضع نص قانوني ينظم العلاقة بين مجلس نواب الشعب والمجلس الوطني للجهات والأقاليم.
ويتماهى انجاز الانتخابات المحلية وما صرح به الرئيس حول ضرورة استكمال مؤسسات الدولة مع ما تدعو إليه الأطراف السياسية الداعمة لمسار 25 جويلية لتحويل أهدافه إلى «مُنْجز». ويعد تشكيل المحكمة الدستورية ومجلس الجهات والأقاليم وتفعيل المجلس الأعلى للتربية والبحث العلمي والتكوين المهني أساس هذه العملية. باعتبار أن استكمال هذه المؤسسات يعدّ خطوة مهمة ووسيلة أساسية لبناء الديمقراطية المنشودة.
وفي انتظار استكمال تشكيل المجلس الوطني للجهات والأقاليم وتركيزه المزمع ألا يتجاوز افريل القادم باعتبار ان ذلك مرتبط بإنهاء العملية الانتخابية للمجالس المحلية، يمكن الالتفات الى الوراء وبداية العمل على وضع قانون أساسي للمحكمة الدستورية التي طال كثيرا انتظار إرسائها على الرغم من أهمية وظيفتها كضامنة لدستورية القوانين وغيابها يبقي القوانين في حلّ من كل رقابة.
فمنذ 2014 فشلت كل البرلمانات المتعاقبة في تشكيل المحكمة الدستورية بسبب الخلافات الحزبية والمحاصصة السياسية بين الكتل البرلمانية. ولم يتم أيضا ارساؤها حتى بعد دخول دستور 2022 حيز التطبيق، وهو الذي رفع الإشكال حول تركيبتها. باعتبارها حسب الفصل 125 من هذا الدستور تتكون من قضاة معينين بالصفة.
وجاء في الفصل المذكور أن «المحكمة الدستورية تتركب من تسعة أعضاء، ثلثهم الأول من أقدم رؤساء الدوائر في محكمة التعقيب، والثلث الثاني من أقدم رؤساء الدوائر التعقيبية في المحكمة الإدارية، والثلث الثالث والأخير من أقدم أعضاء محكمة المحاسبات. وينتخب أعضاء المحكمة الدستورية من بينهم رئيسا لها، طبقا لما يضبطه القانون». وبالتالي رفع هذا الفصل من الدستور التعقيدات الإجرائية التي حالت دون التوصل إلى اتفاق حول أعضائها وحصرهم في جهات قضائية معلومة ومحددة. وهو ما يمكّن رئيس الجمهورية من تعيينها في الحين. ليتولى البرلمان من جهته النظر في قانونها الأساسي والمصادقة عليه، حتى تدخل هذه المحكمة حيز النشاط في السهر على ضمان علوية الدستور ودستورية القوانين.
أما في ما يخص المجلس الأعلى للتربية والبحث العلمي والتكوين المهني، فتأكدت الحاجة إليه أكثر من أي وقت مضى. ذلك أن هذا الأخير من المؤمل ان يساعد على إعادة تصميم العملية التربوية برمّتها ووضع الخطوط العريضة للسياسات التربوية بما يمكّن من مواجهة التحديات المجتمعية التي تواجهها بلادنا اليوم في مختلف المجالات الى جانب مواجهة ضغوط العولمة التي تفرض تحولات جوهرية في مسار العملية التربوية.وقد انطلق التمهيد لتشكيل هذا المجلس من خلال تنظيم استشارة إلكترونية شاملة وموسّعة لإصلاح التعليم، التي أذن رئيس الدولة بتنظيمها لتشخيص وتحديد أسباب أزمة التعليم والمنظومة التربوية واقتراح الحلول للخروج منها.
وانطلاقا من عملية التشخيص والحلول المقترحة من قبل مختلف الفاعلين في هذا المجال والأطراف المتدخلة فيه بمن فيهم الأولياء والتلاميذ، سيعمل المجلس الأعلى للتربية والبحث العلمي والتكوين المهني على إنتاج نماذج جديدة في مسار العملية التربوية بمختلف مراحلها وتفرعاتها. وكل ذلك من أجل تحسين جودة التعليم وتحقيق النجاعة المطلوبة لرفع التحديات التي تواجهها بلادنا على مختلف الأصعدة لا سيما منها الاجتماعية والاقتصادية. وهذا التوجه يؤكد أهمية هذا المجلس في عملية استشراف المستقبل التربوي في علاقته بمستقبل البناء المجتمعي ككل، وبالتالي يؤكد أهمية ارسائه.
حراك ديبلوماسي متواصل ومتنوع : تنويع العلاقات مع الدول الشقيقة والصديقة وتطويرها
تمثل السياسة الخارجية التي تنتهجها بلادنا احدى النقاط المضيئة، اذ وفق ثوابت معينة تعمل على…