هيئة الانتخابات تقرّر التقشف والضغط على المصاريف : خطوة في الاتجاه الصحيح..!
أقدم مجلس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات على اتخاذ جملة من القرارات الجريئة والمطلوبة صراحة ليس في الهيئة فقط ولكن في كل المؤسسات الرسمية ببلادنا لمجابهة الأوضاع الاقتصادية والمالية الصعبة أولا، وثانيا التناغم مع الخطاب الرائج حول مكافحة الفساد وحوكمة التصرف والحفاظ على المال العام.
وحسب منشورات مجلس الهيئة بالرائد الرسمي للجمهورية التونسية فقد تقرر التوجه نحو الاستغناء عن كراء المقر المركزي الحالي للهيئة بمنطقة البحيرة 2 الفاخرة نظرا لكلفته العالية سنويا والانتقال إلى أحد المقرات المملوكة من قبل الهيئة بتونس الكبرى في أقرب الآجال.
ليس ذلك فحسب، فقد قرر المجلس استبدال قصر المؤتمرات بالعاصمة بفضاء قصر الرياضة بالمنزه لاحتضان المركز الإعلامي بمناسبة الانتخابات المحلية غدا الأحد 24 ديسمبر 2023 إلى جانب دمج عدد من الإدارات الفرعية في ادارة فرعية واحدة في كل ولاية.
وذهب المجلس أيضا في إطار ما اسماها حوكمة التصرف في مختلف مقرات الهيئة ومواردها البشرية الى الدمج والى تهيئة عقارات مملوكة للهيئة للاستغناء عن الكراء..
هي قرارات في الاتجاه الصحيح بقطع النظر عن الموقف من هيئة الانتخابات ومن دورها ومردوديتها في التجربة الديمقراطية ببلادنا ويحسب لأعضاء المجلس الذين شاب تعيينهم الكثير من المآخذ السياسية وحتى القانونية باعتبار الاختلاف في قراءة النص الدستوري الذي ينظم عمل هيئة اليوم وهل هو دستور 2014 وما تبعه من تنقيجات في القانون الانتخابي أو دستور 2022 الذي يتحدث عن هيئة تضم تسعة أعضاء.
المهم اليوم انه ثمة وعي أملته في تقديرنا حقيقتان لا يمكن ان نغض عنهما الطرف بل يجب التوقف عندهما ومحاولة استخلاص العبر حتى يكون ما فعله مجلس الهيئة الحالي سابقة ودرسا لمؤسسات الدولة كما أسلفنا فقد وقف رئيس الجمهورية بنفسه ذات يوم عندما زار مؤسسة «سنيب ـ لابراس» على العبث الذي بلغ ببعض المسؤولين في الدولة التونسية التفريط في المقرات القائمة بحجة ضيق المكان او ترهل الفضاء والإقدام مقابل ذلك على تكبيد المؤسسات معاليم كراء خيالية يستفيد منها بعض رجال الأعمال.
ان المشاهد فقط من الخارج لمباني بعض الهيئات المستقلة التي اختار القائمون عليها للأسف خلال السنوات الماضية الانتقال الى الضواحي الراقية وتأجير بنايات فاخرة لا تتماشى حتى مع وظيفة المؤسسة في حد ذاتها.
لقد تعرض مجلس الهيئة الحالي إلى عديد الانتقادات التي لامست شرعيته من ناحية وأداءه من ناحية ثانية غير ان هذه القرارات التقشفية والإصلاحية إن جاز القول يمكن اعتبارها أهم انجاز لهذا المجلس في عهدته الحالية.
أما الحقيقة الثانية التي لا يمكن ان نغض عنها الطرف اليوم فهي الوجه الثاني للعملة كما يقال فالجنوح الى التقشف تفرضه الحالة المالية والوضع الاقتصادي بشكل عام والاعتمادات التي خصصتها الدولة في إطار ميزانيه 2024 لكن أيضا هو قرار يتناسب مع دور الهيئة في الوقت الحاضر.
ويبدو انه ثمة قناعة لدى مجلس الهيئة اليوم بان العملية الانتخابية في تونس وطريقة الاقتراع وحجم المشاركة وطريقة الترشح ودور منظمات المجتمع المدني وخاصة الأحزاب السياسية وغيرها من تفاصيل الانتخابات لم تعد بحاجة الى هيئة لها موارد مادية وبشرية كبرى خصوصا وان الجانب اللوجستي في العملية الانتخابية تؤمنه المؤسسة العسكرية والأمنية بامتياز دون ان ننسى دور وزارتي الخارجية و التربية التي تسخر فضاءاتها لعمليات الاقتراع.
وحتى في العلاقة بالمسألة الثقافية والدعاية الإعلامية فقد حصر مجلس الهيئة نفسه في بوتقة ضيقة، تارة مع الإعلام العمومي فقط وحتى داخل العالم العمومي حصل «الضبط»، أو مع الإعلام الخاص بترتيبات وشروط كثيرة أملتها وضعية هيئة مماثلة كان يفترض ان يكون لها دور أفضل أيضا في التجربة الديمقراطية ببلادنا ونقصد بها الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي البصري التي تحولت الى عبء على الإعلام والإعلاميين والدولة..
وللتدليل على ما نقول أيضا فان إقدام مجلس الهيئة على اتخاذ هذه القرارات في منتصف الطريق، طريق الاستحقاق الانتخابي دليل أيضا على سلاسة العملية التي تذكرنا بما كان سائدا قبل 2011 حين كانت الانتخابات تحت إشراف وزارة الداخلية وكانت الإدارات التابعة لها تقوم بدورها على الوجه الأكمل كما يريد النظام آنذاك.
وبقطع النظر عن كل شيء فان مجلس الهيئة متجه مبدئيا الى انجاز انتخابات المجالس المحلية غدا الأحد وستكون العملية كما أسلفنا سلسة بحكم استقرار الخزان الانتخابي الذي لم يتجاوز في الاستحقاقات التي اشرف عليها هذا المجلس بنفسه الثلاثة ملايين وستنطلق بعد ذلك مباشرة الاستعدادات للدور الثاني وبعدها ملف أكثر تعقيدا وهو ملف الانتخابات الرئاسية الذي سيشكل تحديا أمام الجميع.
في تفاعل بعض الوزراء مع نواب المجلسين : شيء من الواقعية وشيء من المبالغة أيضا..!
تتواصل تحت قبة البرلمان هذه الأيام الجلسات العامة المشتركة بين مجلس نواب الشعب والمجلس الو…