في الشأن التربوي: التربية على حقوق الإنسان ، مقاربة تحتاج إلى الاستدامة
تعمل المنظومات التربوية المختلفة على تحسين معرفة الناشئة بحقوق الإنسان من خلال تطوير البرامج التربوية وإدماج مبادئ حقوق الإنسان ضمنها في أشكال تربوية وتعليمية وتنشيطية مختلفة ومن خلال ورشات وندوات بدعم من وسائل الإعلام ومن المجتمع المدني . وبذلك يتم من خلال هذا النشاط توعية الناشئة بمبادئ حقوق الإنسان وتعزيز احترامها وترسيخ قيم المواطنة لديهم . فأي خطة نحتاج لاستدامة هذه المقاربة ؟
إن وعي الناشئة بحقوقهم وحقوق الآخرين تعزيزا لاحترام حقوق الإنسان التي جاء بها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان شرط أساسي من شروط بناء شخصية الإنسان بناء متكاملا يراعي حماية حقوقه في ظل احترام حقوق الآخرين . لذلك كان من الضروري إرساء ثقافة حقوق الإنسان بين الناشئة وهو ما أطلق عليه «التربية على حقوق الإنسان». وقد عرفها عقد الأمم المتحدة للتربية على حقوق الإنسان ( 1995 – 2004 ) بأنها : «التدريب لنشر المعلومات التي تهدف إلى بناء ثقافة عالية لحقوق الإنسان وذلك بالتعبير عن المعرفة والمهارات وتشكيل السلوكيات ». لذلك فإن التربية على حقوق الإنسان مهمة من حيث تعزيز حقوق الإنسان وحمايتها كما يؤكد ذلك البرنامج العالمي للتربية على حقوق الإنسان ( 2005) والبرنامج الدولي لتعليم حقوق الإنسان ( 2009) . ( كتاب حقوق الإنسان أسئلة وأجوبة – إصدارات اليونسكو 2009 )
ودعت الجمعية العامة للأمم المتحدة ضمن خططها سنة 1994 إلى تطوير التربية على حقوق الإنسان في كافة مراحل التعليم المدرسي الرسمي وغير الرسمي وحثت الجمعية العامة الأجهزة التربوية على تكثيف الجهود من أجل إعداد وتفعيل برامج تربوية حول حقوق الإنسان .
كما تبنت منظمة اليونسكو مقاربة شاملة في التربية على حقوق الإنسان فهي ترى أنها «جزء لا يتجزأ من الحق في التعليم وتكتسب على نحو متزايد الاعتراف بها كحق من حقوق الإنسان في حد ذاته» (موقع اليونسكو). وهو ما يعني تطبيق حقوق الإنسان في كافة المستويات التعليمية وتدريسها باعتماد أنشطة ومشاريع مختلفة تربوية وتثقيفية …وإصدار وثائق وأدلة وإصدارات في شأنها .. وتدعم اليونسكو ذلك بعديد شبكات حقوق الانسان في العالم مثل الشبكة الالكترونية للتربية على حقوق الإنسان في أمريكا اللاتينية والمعهد العربي لحقوق الإنسان في تونس وبرنامج اليونسكو التعليمي لثقافة الحقوق المدنية والتربية على حقوق الإنسان في جنوب شرق أوروبا..
المقاربة وتكوين الناشئة
لقد تم اختيار النظم التربوية لتكون مدخلا لنشر مبادئ حقوق الإنسان من خلال مقاربة التربية على حقوق الإنسان لأنها الفضاء المتخصص في بناء شخصية النشء . وبمساعدة هذه المقاربة يتم تكوين مواطنين متشبّعين بثقافة وقيم حقوق الإنسان وبقيم المواطنة مما يؤثر إيجابا في سلوكاتهم في المدرسة وفي المجتمع لاحقا. وهو ما ينمّي فيهم روح المسؤولية والتسامح وقبول الآخر والاعتدال ومناهضة كل أنواع التطرف والعنف متحلّين بقيم الحرية والعدالة والمساواة .. كما تساعد تلك القيم على إرساء حوار فعال ومسؤول بين المتدخلين الفاعلين داخل المدرسة ويشجعهم على المشاركة وينمّي لدى الناشئة الفكر النقدي التفاعلي . إن ترسيخ قيم المواطنة وحقوق الإنسان لدى الناشئة من خلال البرامج المدرسية أو الأنشطة المختلفة ثقافية كانت أو تربوية أو اجتماعية يفرز لنا أجيالا متشبعة بقيم من شأنها أن ترفع من المستوى الحضاري لمجتمعنا.
وفي تونس ومنذ سنة 2011 تعددت المبادرات في مجال التوعية بحقوق الإنسان كثقافة وانتشرت أنشطة المجتمع المدني في المجال من خلال عديد الجمعيات من أجل نشر ثقافة حقوق الإنسان بين الناشئة منذ تلك الفترة. ومن أهم تلك الأنشطة نذكر أنشطة نوادي حقوق الإنسان والمواطنة التي أنشأها المعهد العربي لحقوق الإنسان في إطار اتفاقية شراكة مع وزارة التربية . ونذكر كذلك أنشطة جمعية التربية المدنية وجمعية النهوض بالتربية على المواطنة وغيرها . ثم ضعف شيئا فشيئا الاهتمام بهذا النشاط الجمعياتي وارتبط بالمناسبات أو المواعيد الدورية كذكرى الإعلان العالمي لحقوق الإنسان أو كالاحتفال السنوي باليوم العالمي لحقوق الإنسان. لذا لم يخلق هذا النشاط تراكمات على مستوى المكتسبات لدى الناشئة لضمان ديمومته لأنه لم تتم مأسسته ولعل إدماجه في مشروع إصلاح المنظومة التربوية سيكون الحل لضمان تلك الديمومة والاستمرارية.
إن شرط نجاح نشاط التربية على حقوق الإنسان في المنظومات التعليمية أن يكون مهيكلا مندمجا فيها حتى يلعب التعليم دوره في تقوية احترام الناشئة لحقوق الإنسان وفقا للمعايير الدولية مما يوسع معرفة الناشئة بحقوق الإنسان ويمكنهم من المهارات التي تؤطر سلوكاتهم وأفكارهم ومواقفهم…
باحث وخبير في الشأن التربوي (❊)
في الشأن التربوي : تربية الناشئة على المهارات أحد تحدّيات المدرسة
من بين التحديات الحياتية التي تواجه المجتمع الإنساني اليوم، والتي على المدرسة رفعها في كل…