نحن شعب يفرّط بسهولة في مكتسباته ومنجزه الحضاري هذه حقيقة علينا أن نكاشف أنفسنا بها حتى وان بدت صادمة أو من قبيل جلد الذات. هنا يكفي أن نلقي نظرة على بعض الصور القديمة لمعالم مدننا لندرك حجم تقصيرنا وتفريطنا في كل ما هو جميل وأصيل.
نقول هذا ونحن نتابع أخبارا لا تسر بشأن تراثنا المادي واللامادي وثقافتنا وحضارتنا الضاربة في القدم فها أن سقفا من أسقف باب من أبواب مدينة المنستير يسقط وقبله تهاوى جزء من سور مدينة القيروان العتيقة وهو المدرج في قائمة التراث العالمي.
وليس هذا فقط فقائمة االهدرب في مجال الثقافة والتراث لا تعدّ ولا تحصى يوازيها غياب فادح لأي سياسات كبرى في هذا القطاع مع تراجع واضح لأداء وزارة الثقافة وضعف ميزانيتها أيضا، وفي ظل غياب لافت لمنظمات المجتمع المدني ودورها بهذا الخصوص.
وليس هذا فحسب فوضعية متحف رقادة بالقيروان أيضا تثير الرثاء حقا ولعل الصور التي تم تداولها مؤخرا على مواقع التواصل الاجتماعي تعكس حالة الإهمال التي يعاني منها مثل غيره من المعالم والمواقع الأثرية والتراثية المهمة. وإذا علمنا أن هذا المتحف يحتوي على االمصحف الأزرقب. وهو نسخة فريدة من القرآن الكريم كتبت بالخط الكوفي المذهّب على الورق الأزرق النادر . ويعود تاريخه إلى القرن الرابع للهجرة بمدينة القيروان. وهو يعد أيقونة من الأيقونات الثمينة جدا التي كان يمكن الاهتمام بها وتحصينها على غرار لوحة الموناليزا في متحف اللوفر بباريس لكن مع الأسف هذا لم يحدث.
وفي سياق متصل تعاني عديد المعالم الأثرية والتراثية من تهميش كبير فبيت عائلة الشيخ الصوفي بلحسن الشاذلي مثلا بنهج الكنز بسوق البلاط بمدينة تونس أصبح أقرب على اخرابةب مهجورة تم إهماله مثل منزل المؤرخ والعلاّمة والسياسي احمد بن أبي الضياف صاحب الإتحاف وكذلك الشأن بالنسبة للمنزل الذي ولد فيه العلامة عبد الرحمان ابن خلدون.
إذن نحن أمام تقصير فادح إزاء إرثنا الحضاري الذي يحتاج إلى خطط عملية استعجالية لإنقاذه. فلعلنا البلد الوحيد الذي يتعامل مع موروث تليد بمثل هذا الاستهتار في الوقت الذي تبحث فيه شعوب أخرى عن جذور لها بالقوة وبالفعل.
وفي هذا الصدد ثمة حالة من السطو المباشر أو غير المباشر على تراثنا المادي واللامادي وبعض رموزنا الثقافية من قبل بعض الأطراف وسط صمت أو تجاهل من المسؤولين عن الثقافة والتراث في تونس.
هذا رغم ارتفاع أصوات منادية بالانتباه إلى مخاطر ما يحدث والإشارة إلى بعض الهنات الموجودة في هذا القطاع.
والأكيد أن خطط العناية بالتراث وتثمينه هي قرار سياسي بالأساس يستوجب الإصغاء إلى الخبراء والمختصين في الميدان وإيلاء هذا المجال الأهمية القصوى التي يستحقها وأيضا توفير الإعتمادات المالية اللازمة للصيانة والعناية بالتراث.
هنا وزارة الشؤون الثقافية مدعوة بالتأكيد إلى الانكباب على هذا الملف لأنه بالغ الأهمية، ولأنه أحد الملفات الحارقة التي لا تقبل التأجيل. فإهدار التراث وتركه في مهب الريح مؤشر سيّئ للغاية لا يمكن التغافل عنه وهو من صميم دور وزارة الإشراف.
وقد قلنا عديد المرات وفي أكثر من سياق أن السياسات الثقافية في بلادنا تحتاج إلى اتثويرب حتى تتسق مع التحولات الكبرى التي تشهدها بلادنا منذ ما يربو عن عقد من الزمن.
فالمتأمل لأداء وزراء الثقافة الذين تعاقبوا على هذا المنصب منذ جانفي 2011 إلى اليوم يلاحظ أن أدوارهم اقتصرت على ما يمكن أن نسميه تصريف الشأن اليومي أي العمل الإداري الصرف باستثناء الحضور في افتتاح الفعاليات الثقافية التي سقطت في التكرار الممجوج ولم يتم تطويرها وأصبحت خارج دائرة منافسة نظيراتها في محيطنا الإقليمي.
ولم نلمس حتى اليوم رؤية ثاقبة لأي مسؤول في هذه الوزارة بشأن الفعل الثقافي وإمكانية تطويره باعتباره أحد أعمدة التنمية بمفهومها الشامل.
فلا ننسى أن بناء الإنسان كان الرهان الذي تأسست عليه دولة الاستقلال وهي التي جعلت من الفعل الثقافي قاطرة تقود المشروع التحديثي التونسي وبتنا نتحدث عن االأمة التونسيةب بكل مقوماتها وهو ما عزز الانتماء وجعل كل تونسي يعيش مع حاضنيه في الوطن حلما مشتركا كانت الثقافة إحدى دعائمه.
التشغيل في تونس : «أم المعارك» التي لا بدّ من خوضها
لا شك ان احد الرهانات المطروحة على تونس اليوم هو التشغيل بكل ما يعنيه هذا الملف من تعقيد …