الإعلام في مرمى الاتهام مرّة أخرى : كيف يمكن الفصل بين مهمة الإخبار وتأويل الأخبار؟
مع اقتراب نهاية العام، عاد الحديث مرة أخرى عن الاعلام، كجسم كلّي، مورّط في التآمر أو التغطية على الفساد وكذلك تبييض المجرمين، وخاصة الاشتراك في غرفة صنع القرار التي تحيك المؤامرات ضد الوطن.
هو ليس اتهاما جديدا، فقد ذُكر عديد المرات، وخلال هذه السنة تحديدا ان هناك تورطا وشبهات فساد وأجندات معدة مسبقا، لعدد من المنابر الاعلامية وعدد من الاعلاميين، وهناك عديد القضايا التي تحمل صبغة اتهامية ضد وسائل اعلام وصحفيين او مرتبطين بالقطاع، كقضية «انستالينغو» التي فتحتها النيابة العمومية منذ سنتين في حق عدد من الاعلاميين والسياسيين والنشطاء ومازالت الأبحاث فيها مستمرة الى الان، او كذلك القضية التي رفعتها السيدة عبير موسي ضد اعلاميين ومدربين قالت انهم على علاقة بأحد صنّاع القرار في الشبكة الاخوانية العالمية وانهم ينفذون برامج وأجندات أجنبية لشبكات تتآمر على أمن البلاد، ومازالت أيضا قضية تحت نظر التحقيق.
هذا على مستوى العام الحالي الذي يوشك على الانقضاء، اما على مستوى العشرية فلم تمر منها فترة الا وكان الإعلام التونسي محل اتهامات شنيعة، وصلت الى حدود رفع «ديقاج» في وجه كل صحفي يمر من شارع بورقيبة في سنوات الحراك الثوري، وصولا الى محاصرة مقر التلفزة الوطنية ونصب الخيام والتجمهر ليلا نهارا أمامها، فيما سماه لطفي زيتون ساعتها بحرب التطهير، والتي لم تخفت نيرانها الا بعد «التمكين» لعدد من المنابر الاعلامية والصحفيين الموالين لحركة النهضة وتسليمهم مقاليد التحكم في الاعلام.
كما عرف القطاع هجمات لا تنتهي ولا تكلّ ولا تملّ، سواء في زمن الباجي قايد السبسي وابنه الروحي يوسف الشاهد، الذي حاول بناء ماكينة اعلامية يديرها احد مساعديه من القصبة ومدت عروقها في كل مفاصل الاعلام، او حتى في ما بعد 25 جويلية، الذي يبدو انه بدأ منذ اليوم الاول بموقف سلبي من الاعلام، ما انعكس عليه الى حد الان رغم أنه لا أحد يشكك في سعي الدولة لإصلاح الاعلام وتنميته، لكن بأي صيغة وبأي توجّه سيتم هذا الاصلاح؟ ولحساب من وعلى حساب ماذا سيتمّ؟
الرئيس في حديثه الأخير مع رئيس الحكومة ووزيرة العدل ووزيرة المالية، قال ان هناك «اعلام مورط مع مراكز قرار بصدد التآمر على الدولة والمجتمع وهي التي تديره وينفّذ أوامرها» وقال ايضا «نجد العناوين متشابهة وموجهة في الصحف ثم بعد ذلك يناقشون هذه الاخبار في البرامج التلفزية والاذاعية»، فالرئيس هنا يتحدث عن ماكينة كاملة، مسيطرة على البلاد وعلى كل وسائل الاعلام العمومية والخاصة، مادامت قادرة على جعل العنوان هو نفسه في كل الصحف ثم مناقشته بعد ذلك في برامج الاذاعات والتلفزات، فهي قوية الى درجة لا يمكن ان تكون وليدة الصدفة او التشابه او مجرد نقل الخبر، بل مبرمجة وتريد تحقيق هدف من وراء هذا التناسق شبه الكلي في المحتوى، وهو ما سماه الرئيس في نفس اللقاء بتبييض من يسمون أنفسهم جبهة الإنقاذ، ويبدو ان المقصود جبهة الخلاص، او من يدّعون انهم يناصرون الشعب الفلسطيني وهم في الاصل كما قال عملاء للصهيونية والموساد.
وكلام بهذا الحجم وهذه الاهمية لا يمكن ان يكون مجرد حدس او شك، فأهمية الاجتماع، الذي بات يعتبر مركز قيادة البلاد، لا يجعل لأي حديث أهمية الا اذا كان مؤيّدا بالأدلة والوثائق والبراهين، وهو ما أشار اليه رئيس الجمهورية حين أكد على ان لديه ملفات موثقة عن «هؤلاء» الذين قال انهم اعلاميون ويعملون لتبييض فاسدين والتغطية على مطبّعين وتنفيذ أجندات مناوئين.
من هنا نستشف ان الأمر بات أكثر خطورة مما هو عليه في واقع الحال، فأن تتحول الاغلبية الساحقة من الحقل الاعلامي الى خدمة أجندات او منفذي أوامر ومبيضي فساد، الى درجة القدرة على جعل العناوين موحدة في كل الجرائد والبرامج، فهذا يؤشر الى مدى الخطورة التي وصل اليها الوضع الاعلامي في تونس، أو هو مجرد اختلاف في تأويل الأخبار، فما يراه الصحفيون عنوانا هاما يجب التنويه به في كل العناوين، يراه السياسي «حملة» ممنهجة تقف وراءها أطراف لها اجندات تعمل على تمريرها من خلال تكرار الخبر في كل عناوين الصحف. وهذا الاختلاف بين مهمة نقل الخبر وتأويل الخبر هو الذي يديم الفجوة بين صانع المحتوى والمتلقي، ويوسّع الهوة بين الاعلامي ورجل السياسة، ويجعل المجال الاعلامي هدفا او على مرمى اتهام دائم بالعمالة والتبييض والفساد والتآمر.
مهرجان السينما المتوسطية بشنني «الأرض أنا، الفيلم أنا.. إنا باقون على العهد»: تطور كبير وحضور مؤثّر وفاعل للمخرج السوري سموءل سخية
استطاع المدير الفني لمهرجان السينما المتوسطية بشنني في الدورة 19 المخرج السوري سموءل سخية …