لم تعد احتفالية وغابت عنها الشعارات وتناساها الناس: ذكرى 17 ديسمبر تبدأ بالذبول مبكّرا..!
دول عديدة وشعوب كثيرة تظل تحتفل بمواعيد ثوراتها لقرون، وتحيي كل عام، بنفس الشغف، او على الاقل بنفس المظاهر الاحتفالية ذكراها، وتعيد لها الفضل في ما تعيشه وما عاشته، وتعتبرها رمزا لا يمكن تناسيه او تجاوزه، بل هناك شعوب تعدّ لأشهر مادة الاحتفال بثوراتها، وتكرّس جهدا ووقتا عظيمين كي لا يفوتها احياء يومها الوطني، او ذكرى الحدث الذي جعلها تصل الى ما وصلت اليه.
تونس بدت هذا العام او حتى منذ سنوات تقريبا، في هذا المجال تحديدا، استثناء من دون شعوب الارض، فلا هي تحتفل بالسابع عشر من ديسمبر، ولا بلغت احتفالاتها بالرابع عشر من جانفي مبلغ الاحتفال بثورة، ولا تحيي أيضا عشرين مارس بما يليق بيوم الاستقلال العظيم، بل كثير من المتابعين لاحظ حتى فتورا كبيرا في إحياء 1 ماي وعيد الشهداء.
ربما لأسباب عديدة تراجعت العناية بإحياء بعض المواعيد التي لم يعد يذكرها أغلب الجيل الحيّ الآن، فقد مضى على بعضها قرابة القرن من الزمان، لكن الذي يثير الانتباه فعلا هو الذبول المبكّر لذكرى 17 ديسمبر 2010 ، التي يصرّ رئيس الجمهورية قيس سعيد على أنها ذكرى الانفجار الثوري غير المسبوق، لكنها لم تعد تحظى بمكانة كبيرة على ما يبدو لدى عامة الشعب وأيضا لدى الحكومة، التي لم تكلف نفسها هذا العام مثلا تنظيم أي مظهر احتفالي مهما كان بسيطا، لا على مستوى وطني ولا على مستويات جهوية، بل اكتفت بالصمت، وتولت التلفزة الوطنية نقل ريبورتاج قصير من مدينة سيدي بوزيد لم نر فيه أي مظهر احتفالي بل فقط حديث لبعض وجوه المدينة ومدير مهرجان 17 ديسمبر بها.
آخرون انتظروا أن يتوجه رئيس الجمهورية بكلمة إلى الشعب التونسي في ذكرى انفجاره الثوري غير المسبوق، لكنه أيضا آثر الصمت واكتفى من الذكرى كلها بإطلاق سراح عدد من المساجين الذين شملهم عفو رئاسي.
على المستوى الشعبي لم يختلف الامر كثيرا، لا في سيدي بوزيد ولا في غيرها من الولايات، بل يمكن القول أنه مرّ كيوم أحد ممطر، عادي جدا، ولم ينتبه له أحد، وذلك ما يثير الاستغراب والتساؤل فعلا: هل نسي الناس ثورة بحجم 17 ديسمبر التي أسقطت نظاما كان يعدّ من أعتى الأنظمة قوة وسيطرة بهذه البساطة؟
الاجابة تبدو واضحة للعيان، فالجميع، وعلى رأسهم الدولة، باتوا يتناسون الاحتفال بذكرى الثورة، التي يبدو أنها خذلتهم فغفلوا عنها، ولم يعد لها ذاك البريق الذي كان يميزها عن غيرها من الأعياد والمواسم.
كثيرون يبرّرون ذلك بأن الزمن ينسي ويهمل، وآخرون يقولون أن الناس تداخلت عندها التواريخ ما بين 14 جانفي 2011 و17 ديسمبر 2010 وذلك ما جعل اليوم فاترا وغيّب الاحتفالات، وآخرون يريدون ان يسبغوا عليها طابعا جهويا كحدث بوزيدي بامتياز وليس عاما شاملا، في حين ان حقيقة الامر تتجاوز ذلك بكثير، تتجاوزه الى حلم أجهض باكرا، والى شعارات جميلة تحولت الى غنائم للتوزيع، والى عشرية غمرتها الأحداث المتتالية والمتسارعة، وأغلبها نكبات وهزائم، أوصلت الناس الى نسيان او تناسي ذكرى انطلاقتها.
فالذي حدث بعد الثورة أربك الجميع، وأدخل البلاد في نفق من «التجارب والأخطاء» جعلت من الثورة التي كانت عنوانا ونبراسا تتحول الى كابوس عند الكثيرين، بل صدح آخرون بالترحّم على زمن بن علي وأسس آخرون أحزابا وجمعيات للعودة الى زمن النظام الذي كفروا به وأطلقوا في السابع عشر من ديسمبر ثورة عاصفة للإطاحة برموزه.
أما عامة الشعب فان رغباته لم تتحقق وأمانيه بقيت طيّ النسيان، والناس كما يقال لا تأكل شعارات ولا تلبس يافطات، هي فقط تنتظر الانجازات، وتريد الأفعال على الارض، وتريد لحياتها ان تتغير وتبحث عن الرفاهية والتقدم، ولا يمكنها ان تبقى الى الابد أسيرة الأوهام او تبكي على الاطلال.
ووصول التونسيين اليوم، ولم يمض على الثورة سوى ثلاثة عشر عاما، الى درجة نسيانها بشكل عفوي وتناسيها عمدا من قبل الدولة، هو مؤشر على ان لا شيء تحقق من أهدافها، وأنها لم تتجذّر في دواخل التونسيين ولم تتحول الى رمز ولم تصبح نموذجا أو نوعا من المقدس الاحتفالي الذي لا يمكن ان يفوّتوا ذكراه.
فهل فعلا وصلت الثورة الى طريق التآكل والانقراض بعد ان وقع استنزاف كل شعاراتها والتلاعب بمبادئها، وبعد ان فشلت في تحقيق أهدافها وتجسيم شعاراتها؟
مهرجان السينما المتوسطية بشنني «الأرض أنا، الفيلم أنا.. إنا باقون على العهد»: تطور كبير وحضور مؤثّر وفاعل للمخرج السوري سموءل سخية
استطاع المدير الفني لمهرجان السينما المتوسطية بشنني في الدورة 19 المخرج السوري سموءل سخية …