تحدث عنها رئيس الدولة في مناسبات عديدة لماذا لم تنجح الحكومة في حلحلة ملف المشاريع المعطلة؟
يعتبر الإسراع في إنجاز المشاريع العموميّة ذا دور هام في تنمية اقتصاد الدول.. ولا يختلف اثنان أنه رغم هذه الأهمية، فقد فشلت معظم الحكومات المتعاقبة على الكرسي في لعب دور أساسي في النهوض بهذا القطاع وجعله رافدا للتنمية، وقد تجسد ذلك في تعطل عديد المشاريع لسنوات متتالية رغم توفر الموارد المالية واستيفاء الدراسات التقنية. هذه المشاريع التي قال عنها ذات مرة رئيس الجمهورية قيس سعيد: «الدراسات أُنجزت والأموال رُصدت ولكن التجسيم مفقود أو في أحسن الأحوال سرعان ما يتعطل»، والتي تبلغ قيمتها أكثر من 17 مليار دينار وتعود أسباب تعطلها إلى عدة عراقيل تكبل الاستثمار العمومي، على غرار الإطار الترتيبي القانوني. وفي كل اجتماع يخصص لدراسة أسباب هذا التعطيل وسبل تجاوزه، تقر السلط المعنية جملة من الاجراءات والقوانين لحلحلة هذه المشاريع غير انها لم تمض قدما نحو الانجاز والاستغلال.
آخر هذه الاجتماعات كان لرئيس الحكومة، أحمد الحشّاني، الذي ترأس نهاية الأسبوع المنقضي الاجتماع الثّاني للّجنة العليا لتسريع انجاز المشاريع العموميّة، واهتم بواقع بعض المشاريع العمومية المعطلة على «الخطّ د» لمشروع الشّبكة الحديديّة السّريعة، مشروع الطّريق السّيارة تونس-جلمة ومشروع بناء المستشفى متعدّد الاختصاصات بقفصة… وأقر هذا الاجتماع مجموعة من الإجراءات على غرار تحرير الحوزة العقاريّة للمشروع واستئناف سير أعمال لجان الاستقصاء والمصالحة لأشغالها قبل موفى السّنة الحاليّة، داعيا إلى الإسراع في معالجة الإشكاليّات العقّاريّة واتمام بعض الدراسات الأخرى إضافة إلى فضّ الاشكالياّت المتعلقّة باعتراضات بعض المواطنين والرّفع من نسق انجاز المشروع.
ومن قبل اجتمع أيضا الحشاني مع رئيس الجمهورية قيس سعيد، وتم خلال هذا الاجتماع دراسة واقع المشاريع المعطلة وضرورة تجاوز كل العقبات التي أدت إلى هذه الوضعية. وفي واقع الأمر، هذه ليست المرة الأولى التي يثير فيها رئيس الجمهورية مسألة وجود عراقيل خاصة الإدارية منها والتي حالت دون تنفيذ عديد المشاريع، ففي مارس الفارط وخلال زيارة أداها إلى ولاية جندوبة، أكد رئيس الدولة أن العقبات الإدارية مقصودة وليست من قبيل الصدفة، مبينا أن العديد من المشاريع مُعطلة ولم يتم الانطلاق في إنجازها رغم أن الأموال مرصودة مصرحا: « إن التعلل بالدراسات وبالجوانب الفنية وغيرها من الأسباب الواهية ليس مبررا على الإطلاق، ولا يمكن القبول تحت أي مبرر كان باستمرار الدراسات منذ سنة 2017 إلى اليوم، فالأموال مرصودة ولكن كلما تم إنجاز دراسة إلا ووقع استبدالها بدراسة ثانية لتليها أخرى ثالثة ولا أثر في الواقع لأي إنجاز» مطالب بضرورة الإسراع في تنفيذ عدد من المشاريع ومحاسبة كل من يعمل على تعطيل إنجازها سواء داخل مؤسسات الدولة أو من جماعات الضغط التي تعتبر المرافق العمومية خطرا يتهددها.
وفي لقاء سابق أيضا خصص لمناقشة كيفية التسريع في إنجاز مشاريع البنية التحتية المعطلة بهدف دعم الانتعاش الاقتصادي، صرح انطوان سالي دي شو، مدير مكتب البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية أن «هناك محفظة مالية بقيمة 8.7 ملايين يورو مقدمة من الشركاء الماليين الثمانية لتونس في مجال البنية التحتية في قطاعات النقل والطاقة والتعليم والتطهير ولكنها معطلة»، مًؤكدا أن 60 بالمائة من هذه التمويلات أي 5 مليارات يورو لم يتم صرفها.
وعموما تعتبر الإشكاليات الإجرائية أهم عائق لتقدم إنجاز المشاريع العموميّة في تونس، وذلك بسبب ضعف التنسيق بين الأطراف المتداخلة في إنجاز المشروع سواء على المستوى الجهوي أو المركزي أو إلى بطء في اتخاذ الإجراءات اللازمة من قبل المصالح الإدارية المعنية أو نقص في المتابعة من قبل الإدارة أو فسخ صفقات وإعادة طلبات عروضها، فضلا عن الإشكاليات العقارية التي تمثل عائقا معقدا وتتطلب وقتا لحلها لارتباطها بتوفر الأراضي لإنجاز المشاريع أو إجراءات التفويت والتخصيص وتغيير الصبغة أو الانتزاع وتحرير الحوزة والمعاوضة اما الصعوبات المالية، فتتمثل في نقص التمويلات اللازمة لإنجاز المشاريع التنموية أو تجاوز التكلفة المرسمة بالموازنة أو تأخر في فتح الاعتمادات، أما بقية الاشكاليات فتتوزع بين فنية أو اجتماعية وتعود الإشكاليات الاجتماعية خاصة إلى استحواذ بعض المواطنين على الأراضي المخصصة لإنجاز المشاريع أو معارضتهم لإنجاز المشروع لأسباب مختلفة.
الان وبعد 12 سنة على ثورة 17 ديسمبر، التساؤلات تطرح بشأن استكمال المشاريع المعطلة في تونس من أجل تطوير نسق التنمية وخلق فرص التشغيل. وعلى الرغم من كل الجهود المبذولة في هذا المجال، فإن نسبة هامة من المشاريع ما تزال معطلة. الامر الذي يؤثر سلبا على اقتصاد البلاد، ما دفع بعض المستثمرين إلى تحويل استثماراتهم نحو بلدان مجاورة . فالنموذج الاقتصادي الناجح اليوم هو ذاك النموذج الذي يبنى على المبادرة والريادة وتحرير القوانين بهدف التشجيع على الاستثمار وبعث المشاريع وخلق القيمة المضافة في إطار مناخ يحرر هذه المبادرات باعتبار محدودية المالية العمومية، وتونس اليوم بعجزها عن استكمال إنجاز بعض المشاريع أو التسريع في إنجاز البعض الآخر منها يحيل إلى تحقيق هذا الهدف ويجعلها في ركب الدول ذات الاستثمار الضعيف.
حتى موفى سبتمبر الماضي : رفض أكثر من 272 ألف شيك بقيمة 2,32 مليار دينار
أكدت نشرية البنك المركزي التونسي الخاصة بنشرة الدفوعات في تونس، أنه تم إصدار 18,52 مليون ش…