رئيس الجمهورية يضع فريقه الحكومي تحت الضغط العالي : الفساد متعدّد والصلح واحد..!
للمرة الثانية في غضون 48 ساعة يطرح رئيس الجمهورية قيس سعيد بحدّة موضوع مشروع تنقيح المرسوم المتعلق بالصلح الجزائي، مرة أمام رئيس الحكومة وقبلها مع وزيرة العدل وهو ما يبين وجود اكراهات ربما وعقبات قد تكون إجرائية في طريق الفريق الحكومي في الوقت الذي يحرص فيه ساكن قرطاج على وفاء الوظيفة التنفيذية بالتزاماتها ووعودها للشعب التونسي.
لقد عاد رئيس الجمهورية مجددا للحديث عن أداء الإدارة والمرافق العمومية ووصف وضعها بالغريب وغير الطبيعي ودعا بالمناسبة المسؤولين صلب هذه الإدارة الى تحمل مسؤولياتهم كاملة ملوّحا في الآن ذاته بأن وجودهم في الدولة رهين الاضطلاع بأدوارهم فيها.
ولم يأت كلام الرئيس من فراغ فقد استدل خلال اجتماعه برئيس الحكومة احمد الحشاني بقصر قرطاج يوم الاربعاء 13 ديسمبر الجاري بتلقيه يوميا عشرات الشكاوى من المواطنين كان من المفترض ان تتولى المصالح المختصة في الادارات التونسية معالجتها وإنصاف اصحابها.
ليس ذلك فحسب يؤكد رئيس الجمهورية انه يكتشف يوميا ملفات فساد راكدة ان جاز القول كان يفترض الحسم والبت فيها من طرف الجهات المعنية ولمّح الى النوايا المبيّتة لبعض الجهات التي لم يسمّها والتي قال انها تترقب الانتخابات وتحدّاها في المقابل بان الدولة ستستمر بقطع النظر عن الاشخاص ومن ينتظر فلينتظر خارج الادارة وخارج الدولة على حدّ تعبيره.
إننا بهذا الشكل نفهم ان التأخر أو التأخير في إعداد مشروع جديد للصلح الجزائي وهو من الأركان الرئيسية في مشروع ساكن قرطاج، ناتج عن تلكؤ مشبوه وغير بريء في الادارة التونسية وهو ما جعل سيادته يضع رئيس حكومته أمام الامر الواقع ويؤكد له ضرورة عرض المشروع على مجلس الوزراء قبل عرضه على مجلس نواب الشعب في اقرب الآجال.
إن الفساد متعدّد الأشكال والتمظهرات ومتعدد المجالات ايضا ومتعدد الأطراف التي أوجدته واستفادت منه وأبّدته على حساب البلاد والعباد لذلك كان الراحل عبد الفتاح عمر رئيس لجنة مكافحه الفساد في نسختها الأولى، التي انبعثت إبان ملحمة 14 جانفي 2011 غير المكتملة، واضحا عندما ركز في التوصيات الختامية على ضرورة إعادة بناء وإصلاح وتأسيس كثير من الأمور سواء في مستوى التشريعات او الآليات وطرق العمل حتى نخلق ثقافة جديدة تقاوم وتنتصر على ما يمكن ان نسميها للأسف اثقافة الفسادب المستشرية اليوم في المجتمع وفي كل مفاصل الدولة والإدارة.
ومن هذا المنطلق أصبح لزاما اليوم وأكثر من أي وقت مضى ان تكون مقاربة الدولة بكل مكوناتها سواء تعلق الأمر بمن يمسك بمقاليد الحكم والإدارة في هذه الدولة او بعموم المواطنين، مقاربة شاملة وواضحة بعيده عن الحقد والضغينة وتصفية الحسابات وترتكز في المقابل على المشترك وتنطلق من تشخيص سليم وتحميل دقيق للمسؤوليات والمرور الى المحاسبة وجبر الضرر، ضرر الأفراد والجماعات، وتحصين تونس من الردّة ومن عودة المظاهر التي نقاومها، لذلك فان مقاومة الفساد لا يمكن ان تنجح بمجرد ايقاف شخص معين او اتخاذ اجراء ردعي تجاهه او تجاه مؤسسته وانما في معالجة شاملة تشاركية تتضح فيها الأدوار ويلتزم فيها الجميع باحترام العقد الاجتماعي الذي لا يضبطه الدستور فقط ولا حتى القوانين السارية والمؤسسات القائمة لوحدها وانما مجمل القيم أيضا والأعراف التي يجب ان يتربى عليها الانسان حتى نبني المواطنة ونبني دولة المواطنين.
ان المسألة من هذه الزاوية لا تتعلق فقط بالنصوص فكثير من النصوص أعدّها اللصوص كما قال رئيس الجمهورية وكثير من النصوص ايضا كانت اثوريةب لكنها ظلت حبرا على الورق، وكذلك الامر بالنسبة الى الآليات الرقابية وغيرها فقد عانت من حالة الشلل ومن التوظيف ومن غياب الإرادة السياسية الحقيقية واليوم ها قد تبين بالمكشوف ان 800 مراقب فقط من كوادر الدولة الوطنية بمقدورهم الاشراف على عملية التدقيق في الشهائد العلمية لآلاف مؤلفة من الذين تم انتدابهم منذ سنة 2011 الى سنه 2022 اضافة لمراجع المناظرات والتدقيق فيها..
ان ما يجب ان يتفطن له الفريق الحكومي الذي قد تعوزه الخبرة صراحة وحتى الفطنة والحنكة السياسية، ورغم الالتزامات الكثيرة المتصلة بإدارة االشأن اليوميب والتصرف فيه، مطالب بالتفاعل مع رئيس الجمهورية الذي يضبط وفق الدستور الجديد السياسة العامة للدولة ويعهد لسكان القصبة تنفيذها، والتنفيذ هنا يجب ان يتحلى بالسرعة والنجاعة لأن التأخير يعطّل مشروع سيادته اولا ويخلق أزمة اتصال وتواصل مع طيف واسع من الشعب الذي يؤيد مزاجه محاربة الفساد دون ان ننسى ان السرعة والتسرّع والغموض والتكتم في اتخاذ اجراءات قانونية وقضائية تجاه المواطنين المعنيين بالصلح الجزائي وطول أمد محاكمتهم يضرب في العمق المصداقية وحتى ضمانات المحاكمة العادلة خصوصا عندما يقول ساكن قرطاج بوضوح ان الهدف هو االصلح من اجل استرجاع أموال الشعب لمن جنح لهذا الصلح صادقا سيستعيد إثره نشاطه حرا طليقا في كنف احترام القانونب، وهو ما يعتبره بعض المراقبين مقايضة او ابتزازا أو ضغطا من اجل الوصول الى الصلح الذي يجب ان يتم في تقديرنا بالطريقتين، الردعية والطوعية وفق الحالات والملفات حتى لا يفلت احد من العقاب عندما يتعلق الأمر بوضوح بالإجرام في حق الشعب والوطن.
هي طريق واحدة أمام مقاومة فساد متعدد الأوجه والشخوص والمجالات، وأمام مصالحة وطنية شاملة واحدة لا يمكن ان تقوم إلا من خلال ومن أجل الوحدة الوطنية على قاعدة المشترك والمشاركة في الإنقاذ وفي بناء تونس الجديدة بعيدا عن الارتجال وعن الخطإ وعن الإقصاء وعن الإفلات من العقاب في نفس الوقت.
في تفاعل بعض الوزراء مع نواب المجلسين : شيء من الواقعية وشيء من المبالغة أيضا..!
تتواصل تحت قبة البرلمان هذه الأيام الجلسات العامة المشتركة بين مجلس نواب الشعب والمجلس الو…