رفعت الولايات المتحدة الامريكية ورقة الفيتو في مجلس الامن الدولي بما أطاح بمشروع قرار وقف فوري لاطلاق النار على غزة ساندته 13 دولة من بين 15 دولة عضو ما فاجأ الرأي العام الدولي الذي كان يتوقع مرور مشروع القرار دون عراقيل ودون ان اتجرؤب أي دولة من الدول العظمى الخمس على استعمال احق الفيتوب أمام فظاعة الجريمة الصهيونية التي توغلت عميقا في سحق وفي ابادة شعب أعزل لم يعد له من ملاذ أو مهرب غير استر الله.
وباستعمال ورقة االفيتوب تبدي أمريكا رضاءها التام عن الفظاعات التي يرتكبها جيش الاحتلال وهي ترعى هذه الفظاعات وتؤشر عليها وفق آليات القانون الدولي والذي تمسك أمريكا بأهمها على الاطلاق وهي احق النقضب (الفيتو) وهو بين يديها وبين يدي الدول الاستعمارية القديمة بريطانيا وفرنسا خاصة وتنتمي هذه الآلية للعالم القديم ـ في الواقع ـ الذي نهض بعد الحرب العالمية الثانية وصنعته الدول المنتصرة على مقاسها ووفق آليات وقوانين دولية تبدو في الظاهر لكأنها وضعت من أجل ارساء نظام دولي عادل لكنها ـ في العمق ـ مجرد قوانين لتنظيم اقواعد اللعبةب من جديد وفق ما تقتضيه مصالح الدول الأكبر قوة اقتصاديا وعسكريا وهي التي تدير هذه اللعبة من داخل مؤسسات القانون الدولي بما في ذلك مجلس الأمن المرتهن تماما لأمريكا ولدول االفيتوب وقد اتضح ـ اليوم ـ أمام اجرائم امريكاب في غزة وأمام ما يحدث في اأوكرانياب وما يحدث من تقتيل عشوائي في السودان المنسية وأمام انهيار كل المنظومة القيمية الحقوقية بأنه قد آن الأوان لتجديد المنتظمات الاممية التي فشلت فشلا ذريعا في الحدّ من الصراعات والحروب وفي فضّ النزاعات الدولية الاجرامية على غرار الجريمة الصهيونية في غزة بل تحولت الى اشاهد زورب يؤشّر ـ تحت الضغط الامريكي ـ على هذه الجرائم ويجيزها بآليات القانون الدولي ذاتها…
لقد قسّم الحلفاء ما بعد الحرب العالمية الثانية العالم الى معسكريين قويين تحولا الى عنوانين متقابلين لنظام دولي جديد انقسم بدوره الى كتلتين… الكتلة الغربية بزعامة الولايات المتحدة الامريكية والكتلة الشرقية بزعامة الاتحاد السوفياتي والتي انهارت أو هي تشظت الآن لتتحول اروسيا بوتينب الى بديل لها أو ذكرى من ذكراها والتي ما تزال ممسكة ـ في الواقع ـ بالحد الأدنى من الكتلة الشرقية… هذا التقسيم خضع لمنطق المنتصر ولمنطق الاقوى اقتصاديا وعسكريا والذي تم تسليمه امفاتيحب ادارة العالم لا بما تقتضيه قيم المساواة والعدل والحرية وقيم السلام وتقرير المصير وإنما بما تقتضيه مصالح الدول العظمى التي ااستحوذتب ـ دون غيرها ـ على احق النقضب داخل مجلس الامن باعتبارها الدول المنتصرة ما بعد الحرب العالمية الثانية اضافة الى أنها الأقوى عسكريا واقتصاديا… وما يزال العالم الى اليوم يعيش تحت سيطرة االتفاهماتب التي أفرزتها الحرب العالمية الثانية والتي لم تنته ـ في الواقع ـ وإنما بدّلت شكل االحروبب من حروب شاملة الى حروب اقليمية محدودة أو حروب بالوكالة أو تدخلات عسكرية في جغرافيا محدودة وتحت غطاء أممي يشرّع هذا التدخل أمميا…
لقد تم انشاء الامم المتحدة ومجلس الامن الدولي على انقاض اعصبة الاممب وكل هياكلها بما في ذلك مجلسها التنفيذي الذي تم استبداله بمجلس الامن الدولي وذلك على خلفية فشل االهيئة الأولىب وكل هياكلها في فض النزاعات والحروب وقد رأت الدول المنتصرة في الحرب العالمية الثانية بريطانيا وأمريكا وفرنسا والصين والاتحاد السوفياتي ضرورة تجديد الهياكل الاممية حتى تكون ذات فاعلية قوية وبقرارات إلزامية للدول الاعضاء فتم انشاء الامم المتحدة الذي ارتبط بالاعلان العالمي لحقوق الانسان اضافة الى مجلس الامن الدولي وبطبيعة الحال حظي الحلفاء المنتصرون في الحرب العالمية الثانية ـ كما اشرنا ـ بالمقاعد الخمسة الدائمة وتم منحهم احق النقضب ـ الفيتو ـ والذي أصبح سلاحا فتاكا بين يدي الدول العظمى ترفعه بالحق وبالباطل… وعليه وبناء على ما تقدّم وباعتبار اتهرّؤب المنظومة القيمية وتغوّل الغرب الامريكي ووكلائه وباعتبار فشل الامم المتحدة ومجلس الامن الدولي وكل هياكله بما في ذلك مجلس حقوق الانسان في ايقاف الجريمة الصهيونية في قطاع غزة وباعتبار فشل آليات المنتظم الاممي في اقرار وقف اطلاق نار انساني فإن المجتمع الدولي مطالب بتغيير اقواعد اللعبةب وباعادة توزيع الادوار لا على أساس قوى عظمى مقابل قوى ضعيفة اقتصاديا وعسكريا وإنما وفق قواعد جديدة تنتصر لقيم العدالة الانسانية مطلقا… فكما تم ايجاد بدائل أممية ما بعد الحرب العالمية الثانية للمجالس الاممية القديمة فإنه من حق الانسانية اليوم وأمام هول الصراعات وحروب الابادة في العالم وأمام التحوّل التكنولوجي الرهيب الذي حوّل الحروب الى ما يشبه االجحيم القياميب فإنه من حق البشرية ومن أجل سلامتها ومن أجل سلامة الارض برمتها ان تبحث عن بدائل جديدة للمنتظمات الأممية وعلى رأسها مجلس الامن الذي تحوّل الى اشاهد زورب يشرعن الجرائم وبسلاح القوانين الاممية وآلياتها وأخطرها حق النقض وخطورته أكبر حين يكون بين الايادي التي ترعى الجريمة…
باستعمالها اورقة الفيتو اسقطت أمريكا مصداقية كل من الامم المتحدة ومجلس الامن الدولي وقدمت نفسها الى العالم على انها االدولة العظمىب التي لا تخجل من ارعاية الجريمةب وهو ما دفع بعدد من االدول الاعضاءب الى التفكير وبصوت عالٍ في الانسحاب من هذا المنتظم الاممي الذي أصبح ابيدب الولايات المتحدة الامريكية وهو يُدار وفق مصالحها ووفق ما هو أمامها من رهانات… ولا يخفى ـ هنا ـ التذكير بان الرئيس الامريكي بايدن بصدد التهيؤ لعهدة رئاسية جديدة وهو يعمل على كسب ودّ االلوبي الصهيونيب في أمريكا وهو لوبي ثقيل جدا ومؤثّر بعمق في الانتخابات الرئاسية الامريكية…
يشهد العالم اليوم تبدلات جيوسياسية عميقة بظهور تكتلات اقتصادية ومالية كبرى بصدد السعي لتغيير المجرى التقليدي للتوازنات الاقتصادية العالمية ومع التبدل العميق في العلاقات الدولية فإنه أصبح من الضروري تجديد المواثيق الدولية ومؤسساتها التي أنشئت بعد الحرب العالمية الثانية بما يتوافق وموازين القوى الجديدة في هذا العالم الجديد…
«مجلس أعلى للثقافة».. من أجل إعادة البناء..!
من أكثر القطاعات التي تحتاج الى «حرب تحرير وتطهير» كبرى، قطاع الثقافة و«ثكنته البيروقراطي…