رئيس هيئة الانتخابات يستبق رئيس الجمهورية… من يحقّ له تحديد موعد الانتخابات الرئاسية؟
أفحم رئيس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات فاروق بوعسكر نواب الشعب بإجاباته وقراءاته وتأويلاته القانونية للنصوص المتصلة بالانتخابات، الرئاسية منها والتشريعية على حد سواء، وكذلك الشغورات والفراغات في المقاعد النيابية وغيرها. وتمكّن فوق كل ذلك من ضمان مصادقة المجلس على ميزانية الهيئة في ميزانية الدولة لسنة 2024 بموافقة 101 نائب واحتفاظ 21 بأصواتهم ورفض 16 نائبا وذلك يوم الأربعاء 6 ديسمبر الجاري.
وحتى زوبعة شراء السيارات الإدارية الجديدة لهيئة الانتخابات والتي فاقت كلفتها 1 مليون دينار فقد أثارت حفيظة النواب لكنها لم تفسد للودّ قضية مع مجلس الهيئة وكأن شيئا لم يكن.
ولعل الأهم في ما حصل خلال هذه الجلسة هو تأكيد رئيس الهيئة لجملة من المسائل العالقة والغامضة وتقديم إجابات قطعية بشأنها، ونتحدث هنا بشكل رئيسي عن المقاعد الشاغرة تحت قبة البرلمان وكيفية ملئها وسد الشغور، وكذلك الانتخابات الرئاسية القادمة حيث لم يتردّد فاروق بوعسكر في القول بأن الانتخابات الرئاسية ستجرى في موعدها في العام 2024.
واللافت بداية أن نواب الشعب كانوا صراحة ثوريين ولم يتأخروا في انتقاد الهيئة والمطالبة بمراجعة القانون الانتخابي. ليس ذلك فحسب فقد تحدث البعض عن تجارب سيئة لهيئة الانتخابات حسب قولهم، وإشكاليات كثيرة حصلت مع أعوان المراقبة الذين تنتدبهم والذين يفتقد بعضهم للمهنية. وطالبوا في هذا الإطار بتقييم شامل للانتخابات التشريعية السابقة من اجل تجاوز الأخطاء والثغرات التي جعلت بعض المترشحين في موضع شبهات ومطلوبين للعدالة.
والطريف في تقديرنا هو أن يتساءل نائب الشعب أي االمشرّعب عن موعد إجراء الانتخابات الجزئية لسد الشغور بالبرلمان وطرح مشكلة عزوف المواطنين عن الترشح بسبب التعقيدات الكثيرة، وخاصة معضلة التزكيات والإشكاليات المالية..!.
والأصل في الأشياء أن يقدّم المشرّع المقاربة القانونية والإجابة المناسبة لمسألة الشغور بالبرلمان، لا انتظار من يقدّم الفتاوى والتأويلات نيابة عنه خصوصا في غياب المحكمة الدستورية.
لقد نجح فاروق بوعسكر مشكورا في إقناع النواب على ما يبدو بتأويله للنصوص قائلا اإن السبعة مقاعد الشاغرة في مجلس نواب الشعب والتي تعود إلى الدوائر الانتخابية في الخارج تسمّى قانونا حالة فراغ وليست حالة شغور وهي حالة فريدة باعتبار أن المقعد لم يُشغل أصلاب.
وحسنا فعل رئيس الهيئة حين اقترح على المشرّعين المبادرة بإعادة النظر في التزكيات استثنائيا بالنسبة للدوائر الانتخابية في الخارج في اتجاه التقليص في عددها وبهذا الشكل تكون الكرة في ملعب البرلمان كما يُقال وليس في مجلس الهيئة الذي لا يعتبر أن الإشكال يتعلق بالتزكية فقط ولكن هناك أسباب أخرى أهمها غياب الإرادة في أن تكون هناك ترشحات..
وقد حسم رئيس الهيئة المستقلة للانتخابات موضوع المواعيد الانتخابية المنتظرة للعام القادم وأساسا الانتخابات الرئاسية وقال بوضوح الا أحد من الهيئة ولا من السلطة العليا شكّك في تنظيم هذه المحطة الانتخابية ولا تحدث عن عدم تنظيمها ونحن نقول دائما أن كل الانتخابات الدورية ستدور في موعدها، وتحديده يكون قبل أشهر من تنظيمها… ونحن كهيئة دستورية حريصون على ذلكب.
وبهذا الوضوح يستبق فاروق بوعسكر الجميع في إعلان الانتخابات الرئاسية في تونس سنه 2024 قبل كل الفاعلين السياسيين والمدنيين وخاصة رئيس الجمهورية الذي هو بصدد تنفيذ مشروعه السياسي الذي بدأه يوم 25 جويلية 2021 واشتمل على استشارة وطنية وصياغة دستور جديد وإجراء استفتاء حوله وتنظيم انتخابات تشريعية والإعداد لانتخابات محلية على قاعدة ما يعرف بالنظام القاعدي، وحتى مجلس الهيئة بشكله الحالي فهو من المؤسسات المؤقتة التي وقع ترميمها منذ ذلك التاريخ.
وهنا تحديدا لا يمكن أن يمرّ كلام رئيس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات مرور الكرام حين يقول أنها هيئة دستورية ومستقلة وهي الوحيدة التي تمت دسترتها في دستور 2022 وهي ليست جهة تنفيذية أو وزارة، يحكمها قانون أساسي يعود إلى 2012 تم تنقيحه في 2022 بمقتضى مرسوم وهي تشتغل في إطار قانوني يضمن استقلاليتها إزاء بقية الوظائف التنفيذية وغيرها.
إننا نعلم جيدا أن دستور 2022 يتحدث عن هيئة دستورية تختلف من حيث التركيبة على الأقل عن الهيئة الحالية المكونة من سبعة أعضاء في حين أن الفصل 134 من الباب الثامن للدستور الجديد ينص على التالي اتتركب الهيئة من تسعة أعضاء مستقلين محايدين من ذوي الكفاءة والنزاهة يباشرون مهامهم لمدة ست سنوات غير قابلة للتجديد ويجدد ثلث أعضائها كل سنتينب. وهي وضعية تدفع إلى التساؤل إن دخل الدستور حيز النفاذ أم لم يدخل بعد؟
هذا في الجانب القانوني والشكلاني، أما في الجانب السياسي فان الرزنامة الانتخابية والاستحقاقات السياسية الكبرى، تضبطها في تقديرنا القوى السياسية والمدنية في إطار حوار وتواصل وطني داخل الفضاء العام وداخل مؤسسات الدولة للوصول في نهاية المطاف إلى خيارات تنهض بالبلاد وتخدم الديمقراطية وتضع أمام التونسيين أقوم المسالك للخروج من الأزمة المركّبة التي يعيشون تحت كلكلها منذ عقد ونيف. فقد تجاوزنا الآن االعشريةب بعد ملحمة 14 جانفي 2011 غير المكتملة وما يزال الحال على ما هو عليه. وبالتالي فإن نجاح المواعيد الانتخابية لا يكون فقط بنجاحها التقني والميكانيكي إن جاز القول، وإنما من خلال عملية المشاركة السياسية الواسعة، المشاركة المواطنية في العملية الديمقراطية في مناخ من الحرية والسلم الاجتماعي.
في تفاعل بعض الوزراء مع نواب المجلسين : شيء من الواقعية وشيء من المبالغة أيضا..!
تتواصل تحت قبة البرلمان هذه الأيام الجلسات العامة المشتركة بين مجلس نواب الشعب والمجلس الو…