يتطلب معالجة متكاملة التزايد السريع للواردات ساهم في ارتفاع التضخم المستورد
سجلت نسبة التضخم عند الإستهلاك تراجعا الى مستوى 8،3 % في شهر نوفمبر 2023 بعد أن كانت في حدود 8,6 % خلال شهر أكتوبر المنقضي وذلك بحسب آخر البيانات الصادرة عن المعهد الوطني للإحصاء الذي أرجع هذا الانخفاض لتقلص نسق الزيادة في الأسعار بين شهري نوفمبر وأكتوبر 2023 بالمقارنة بنفس الفترة من السنة الفارطة مستشهدا على ذلك بتراجع نسق تطور أسعار مجموعة المواد الغذائية تراجعا من 13,1 % الى 11,9 % ونسق ارتفاع أسعار مجموعة الأثاث والتجهيزات والخدمات المنزلية من 8,8 % الى 8,1 %.
ورغم هذا التراجع الطفيف تبقى نسبة التضخم مرتفعة وفي مستوى أضر بالقدرة الشرائية وبوضعية الطبقة المتوسطة في تونس التي تدحرج جزء هام منها نحو الطبقة الفقيرة وتزايد تداين الاسر بسبب الأزمة الاقتصادية المستفحلة في البلاد والارتفاع الجنوني لأسعار غالبية المواد التي جعلت أحد الخبراء يعتبر أن التونسيين فقدوا ما بين 40 و50% من قدرتهم الشرائية وأن الطبقة المتوسطة قد اختفت.
ومن المعلوم أن التضخّم مدمّر للإقتصاد وهو من المعضلات الكبيرة الحقيقية التي يعاني منها وتتطلب عديد الآليات والإجراأت لكبح جماحه فهو يضرب الإستثمار والادّخار والقدرة التنافسية ويضرب العملة الوطنية كما يزعزع الوضع الإجتماعي عبر توسيعه دائرة الفقراء.
وتتعدد العوامل المسببة لهذا التضخم على غرار ارتفاع كلفة الإنتاج والإختلال بين العرض و الطّلب والتضخّم المستورد وتدهور سعر صرف الدينار و إرتفاع أسعار المواد الأولية والمواد الغذائية على المستوى العالمي نتيجة الانعكاسات المباشرة للحرب الروسية الأوكرانية وهو ما يجعل من تداعيات التضخم ليست حكرا على تونس فقط .
ورغم السياسة التي إتبعها البنك المركزي التونسي بهدف إحتواء هذا التضخم ومكافحته وذلك عبر الزيادة عديد المرات في نسبة الفائدة المديرية الا أن ذلك في نظر عديد الخبراء يعد سياسة عقيمة لا تصلح لمقاومة التضخم المالي الذي أضر بالاستثمار وبمحرك الاستهلاك والاقتصاد عموما.
وبحسب قراءة أخرى لأحد الخبراء فان المصدر النقدي للتضخم المالي يعود أيضا الى الإقتراض المفرط للدولة خاصة الاقتراض الداخلي من البنوك الذي ادى الى تقلص السيولة ومن الضروري الكف عن الإفراط في استعمال هذه السياسة حتى لا تتزايد المصاعب اكثر .
وبغض النظر عن الاسباب والمسببات التي ادت الى بلوغ نسبة التضخم هذا المستوى المرتفع رغم الانخفاض الطفيف المسجل خلال شهر نوفمبر الماضي، يرى خبراء الاقتصاد أن مكافحته تتطلب معالجة متكاملة عبر التنسيق المتواصل بين السياسة الحكومية الاقتصادية والسياسة النقديّة من أجل إعادته الى مستويات مقبولة بعيدا عن المعالجة الأحادية من طرف السلطة النقدية،فضلا عن اتخاذ إجراأت قويّة في اتجاه دعم منظومات الإنتاج والتفكير في استراتيجية التخزين والتصدّي للاقتصاد الريعي، وإرساء منافسة حقيقية في كل القطاعات وتكثيف الرقابة على المحتكرين و المضاربين، والحد من الاستيراد لوقف العجز التجاري الذي يمثل بدوره معضلة اخرى من معضلات الاقتصاد التونسي. حيث فاق العجز مستوى 15مليار دينار في الأشهر العشرة الاولى من سنة 2023 وهو مؤشر يظهر الاختلال الخطير في الميزان التجاري بين واردات متزايدة وصادرات لم تتطور بالقدر المطلوب والذي يمثل احد الاسباب الرئيسية في تزايد الازمة الاقتصادية للبلاد وفي تفاقمها وفي ارتفاع نسبة التضخم وفي انهيار الدينار ومزيد التداين وفي استنزاف العملة الصعبة بالبلاد.
من أجل تحقيق الأمن الغذائي..
لا شك أن ارتفاع الصادرات الفلاحية التونسية وتحسّن عائداتها وهو ما أكدته الارقام الاخيرة …