انسحب أغلبها من الفضاء العام وخفتت أصوات أخرى رغم ثقل المرحلة… الأجسام الوسيطة تغيب عن الحوار حول الشأن العام
منذ إقرار مسار 25 جويلية 2021 تعيش غالبية الأحزاب ومكونات المجتمع المدني عزلة وقطيعة مع السلطة ومع الشعب، حيث ساهم رفضها للمسار في تغييبها عن المشهد السياسي، وبالتالي غابت سبل وآليات الحوار حول الشأن العام في الفضاء العمومي الذي يتعلق بالمشاركة في النقاش حول القضايا الراهنة.
وقد انسحبت اغلب الأجسام الوسيطة من الفضاء العام ما عدا بعض الأصوات الخافتة، ومشاركة الأحزاب والجمعيات الداعمة لمسار25 جويلية، لكنها بقيت محدودة ودون تأثير لافت على الرأي العام . في المقابل اختارت منظومة الحكم الحالية العمل وإدارة الشأن العام من دون الاستماع الى الراي المخالف أو حتى الرأي المساند، فهي لا تنصت لغير نفسها. مما أسس لمشهد سياسي غير طبيعي وغير متوازن، رغم ثقل المرحلة التي تستدعي حكما تشاركيا.
ورغم هنّات واخفاقات مسار 25 جويلية على المستوى السياسي والاقتصادي والاجتماعي، فان الرئيس يؤثر مواصلة استكماله للمشروع السياسي دون تشريك اطراف أخرى. وهذا رغم الدعوات المتكررة لإطلاق مشاورات وحوارات تنظر في الأزمات المتعددة للبلاد. ولعل فشل المنظمات الأربعة وعلى راسها الاتحاد العام التونسي للشغل في اقناع الرئيس بضرورة الجلوس الى طاولة الحوار طيلة السنوات الماضية، افضى الى تراجع أدوار مكونات المجتمع المدني والمنظمات الوازنة في المشهد السياسي.
ولئن تعدّ وسائل الاعلام احد اهم الوسائط لإدارة النقاش العام، فان غياب اطراف السلطة عن المنابر الحوارية، من اجل طرح تصوراتها وحلولها للأزمات والقضايا التي تشغل عقول الشعب، قد عمّق مشكل الحوار الفعال والتداول الناجع للشأن العام، وبالتالي تراجعت أدوار معظم الأجسام الوسيطة.
في هذا الإطار بين الناشط السياسي طارق الكحلاوي في تصريحه لـاالصحافة اليومب انه ابعد تولي الرئيس قيس سعيد مقاليد الحكم تبين بأن له قناعة بان الوسائط ومن بينها الأحزاب والمنظمات هي جزء من النخبة التي كوّن عنها نظرة سلبية نظرا لأدائها وحصيلتها طيلة العشرية الفارطة. ولهذا السبب لم يكن للرئيس خلال ترشحه للانتخابات الرئاسية حزبا سياسيا، ولكن له بعض المناصرين والمساندين لمشروعه السياسي.
وأضاف محدثنا بأن الرئيس قيس سعيد على مستوى التوجه السياسي يؤمن بسلطة ترتيبية امتضخمةب تحت عنوان الدولة الواحدة، وان له ريبة من خروج مسار اتخاذ القرار من السلطة التنفيذية نحو مؤسسات أخرى، ولذلك يرتاب من كل ما هو حوارات وطنية ويقوم باستمرار بالتشكيك في السياقات التي تتحدث عن حوار وطني…
إشكال ثقة وانفتاح
ولفت محدثنا الى ان الرئيس له خيبة امل من كل المسؤولين الذين عيّنهم في السابق وخانوا الثقة، وهذا ما أدى في النهاية إلى تراكم وتضخم الملفات التي تحتاج الى ان يحسم فيها هو شخصيا، فنراه يقوم بزيارات ميدانية حتى يقف على أسباب تعطل عمل عدد من المؤسسات والخدمات، ولهذا تتأخر التعيينات على مستوى الوزارات والإدارات والولايات… ولاحظ الكحلاوي ان هذا الأسلوب في الحكم المتمثل في تركيز السلطة في يده، قد رأى فيه الرئيس الحل ولكن بالتجربة والممارسة على حد تعبيره اأصبح هو العقبةب.
اما بالنسبة لتراجع نشاط الأحزاب المعارضة في الفضاء العمومي فيبين المتحدث ان كل من يعارض الرئيس اليوم من الناشطين السياسيين هم معنيون بمسار حقوقي اكثر منه مسار سياسي، باعتبار أن اغلب القيادات السياسية إما في السجن او في طور التحقيق، وبالتالي هناك معارضة دائمة وشاملة للرئيس وللمسار.
وأفاد في نفس السياق بأن الرئيس لا يطرح الحوار مع النشطاء السياسيين من المعارضة او من المساندين اذ لا توجد قنوات حوار واضحة ولا انفتاح. ليذكّر بأن حركة الشعب كحزب برلماني مساند لمسار 25 جويلية كان يمكن للرئيس أن يجلس مع قياداته لإيجاد حل لمشكل مشروع قانون تجريم التطبيع ولكنه لم يفعل.
وفي ما يتعلق بالمنظمات ومكونات المجتمع المدني فهي تواجه نفس المشكل، وهو غياب الحوار مع الرئيس. فبالنسبة للاتحاد العام التونسي للشغل يصرّ الرئيس على إبقائه في المربع النقابي ولا يتجاوزه إلى ممارسة دور سياسي، إضافة إلى تراجع وضعف الحزام الاجتماعي للمنظمة الشغيلة.
وبدوره يعاني اتحاد الصناعة والتجارة والصناعات التقليدية من صعوبات مالية، فضلا عن انشغال القائمين على المنظمة بملفات التحقيق وتحجير السفر.و بالتالي أصبحت منظمة الأعراف في وضع ضعيف وصوتهم خافت جدا في الفترة الأخيرة، وذلك بالرغم من انه قبل إقرار مسار 25 جويلية كان صوت رئيس منظمة الأعراف سمير ماجول عاليا. وهو ما يدل على أن موازين القوى قد تغيرت بعد المسار السياسي للرئيس…
وفي النهاية، يتبين أن التحديات الحالية التي تواجهها البلاد وخاصة منها الاقتصادية والاجتماعية، تتطلب حلا شموليا يشمل التواصل والحوار بين مختلف الأطراف السياسية والاجتماعية، اذ ان التفاوض المفتوح والحوار الوطني يمكن أن يسهما في تعزيز الاستقرار وبناء أسس ديمقراطية قائمة على التشاركية.
مهمة هيئة الانتخابات: تقديرات نفقات انتخابية محتملة سنة 2025 تتجاوز 74 مليون دينار : نواب يطالبون بتطوير أداء الهيئة لتحسين نسب المشاركة الانتخابية
ناقش أعضاء الغرفتين النيابيتين بقصر باردو أمس مشروع ميزانية الهيئة العليا المستقلة للانتخا…