2023-11-30

المرسوم 54… بين الحق والباطل!

تتواصل‭ ‬التتبّعات‭ ‬والاستنطاقات‭ ‬في‭ ‬حق‭ ‬الناشطين‭ ‬السياسيين‭ ‬ووجوه‭ ‬الإعلام‭ ‬على‭ ‬معنى‭ ‬المرسوم‭ ‬54‭ ‬الذي‭ ‬يجمع‭ ‬الشارع‭ ‬المدني‭ ‬والسياسي‭ ‬على‭ ‬أنه‭ ‬تحول‭ ‬من‭ ‬نص‭ ‬قانوني‭ ‬ينظم‭ ‬الفضاء‭ ‬السيبرني‭ ‬والعام‭ ‬للحدّ‭ ‬من‭ ‬الانزلاقات‭ ‬بالسبّ‭ ‬والشتم‭ ‬إلى‭ ‬ا‭ ‬سيفب‭ ‬مسلّط‭ ‬على‭ ‬رقاب‭ ‬السياسيين‭ ‬والإعلاميين‭ ‬الذين‭ ‬ينتقدون‭ ‬بعض‭ ‬المسؤولين‭ ‬أو‭ ‬الإدارات‭ ‬أو‭ ‬السياسات‭ ‬العمومية‭ ‬في‭ ‬البلاد‭ ‬وذلك‭ ‬بشهادة‭ ‬منظمات‭ ‬حقوقية‭ ‬بالداخل‭ ‬والخارج‭. ‬

ولعل‭ ‬آخر‭ ‬هذه‭ ‬التتبعات‭ ‬القضائية‭ ‬شملت‭ ‬مؤخرا‭ ‬كلاّ‭ ‬من‭ ‬المحاميتين‭ ‬دليلة‭ ‬مصدق‭ ‬و‭ ‬سنية‭ ‬الدهماني‭ ‬حيث‭ ‬أكدت‭ ‬الدهماني‭ ‬أول‭ ‬أمس‭ ‬أنها‭ ‬علمت‭ ‬أن‭ ‬إدارة‭ ‬السجون‭ ‬رفعت‭ ‬بها‭ ‬شكاية‭ ‬على‭ ‬معنى‭ ‬المرسوم‭ ‬54‭ ‬وذلك‭ ‬على‭ ‬خلفية‭ ‬تصريحات‭ ‬لها‭ ‬لإحدى‭ ‬الاذاعات‭ ‬انتقدت‭ ‬فيها‭ ‬ظروف‭ ‬اقامة‭ ‬الموقوفين‭ ‬السياسيين‭ ‬في‭ ‬ما‭ ‬يعرف‭ ‬بقضية‭  ‬التآمر‭ ‬على‭ ‬امن‭ ‬الدولة‭.‬

‭ ‬ومن‭ ‬جهة‭ ‬أخرى‭ ‬أعلنت‭ ‬هيئة‭ ‬الدفاع‭ ‬عن‭ ‬الموقوفين‭ ‬في‭ ‬ما‭ ‬يعرف‭ ‬بقضية‭ ‬التآمر‭ ‬على‭ ‬أمن‭ ‬الدولة‭ ‬أنّ‭ ‬قاضي‭ ‬التّحقيق‭ ‬بالمكتب‭ ‬عدد‭ ‬21‭ ‬بالمحكمة‭ ‬الإبتدائيّة‭ ‬بتونس‭ ‬قرّرالثلاثاء‭ ‬الابقاء‭ ‬على‭ ‬المحامية‭ ‬والعضوة‭ ‬بالهيئة‭ ‬دليلة‭ ‬بن‭ ‬مبارك‭ ‬مصدّق‭ ‬بحالة‭ ‬سراح‭ ‬بعد‭ ‬استنطاقها‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬القضيّة‭ ‬التي‭ ‬أثارتها‭ ‬النّيابة‭ ‬العموميّة‭ ‬ضدّها‭ ‬على‭ ‬معنى‭ ‬المرسوم‭ ‬54‭ ‬على‭ ‬خلفيّة‭ ‬تصريحات‭ ‬اعلامية‭ ‬كشفت‭ ‬فيها‭ ‬أنّ‭ ‬الهيئة‭ ‬قدّمت‭ ‬مطلبًا‭ ‬لسماع‭ ‬الدّيبلوماسيين‭ ‬الأجانب‭ ‬في‭ ‬قضية‭ ‬التآمر‭.‬

وتعيد‭ ‬هذه‭ ‬القضايا‭ ‬والاستنطاقات‭ ‬إلى‭ ‬الأذهان‭ ‬كيفية‭ ‬تعاطي‭ ‬الدولة‭ ‬ومؤسساتها‭ ‬مع‭ ‬بعض‭ ‬التصريحات‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تحمل‭ ‬ثلبا‭ ‬أو‭ ‬تعنتا‭ ‬على‭ ‬أي‭ ‬جهة‭ ‬رسمية‭ ‬بقدر‭ ‬ما‭ ‬تطالب‭ ‬بتوضيحات‭ ‬أو‭ ‬إثارة‭ ‬تساؤلات‭ ‬حول‭ ‬أي‭ ‬مسألة‭ ‬من‭ ‬صميم‭ ‬انشغالات‭ ‬الشارع‭ ‬التونسي‭. ‬

‭ ‬وقد‭ ‬تحول‭ ‬تواتر‭ ‬الاستنطاقات‭ ‬والإيقافات‭ ‬على‭ ‬معنى‭ ‬هذا‭ ‬المرسوم‭ ‬إلى‭ ‬أمر‭ ‬محرج‭ ‬للسلطة‭ ‬قبل‭ ‬معارضيها‭ ‬خاصة‭ ‬وقد‭ ‬ضاعف‭ ‬هذا‭ ‬المرسوم‭ ‬من‭ ‬هشاشة‭ ‬وضع‭ ‬حرية‭ ‬التعبير‭ ‬في‭ ‬تونس‭ ‬التي‭ ‬تراجعت‭ ‬بـ21‭ ‬مرتبة‭ ‬سنة‭ ‬2022‭ ‬في‭ ‬التصنيف‭ ‬السنوي‭ ‬لمنظمة‭ ‬مراسلون‭ ‬بلا‭ ‬حدود‭ ‬المتعلق‭ ‬بحرية‭ ‬الصحافة‭ ‬وذلك‭ ‬بسبب‭ ‬ما‭ ‬تشهده‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬والصحفيون‭ ‬والصحفيات‭ ‬من‭ ‬ضغوطات‭ ‬مالية‭ ‬وخلق‭ ‬نوع‭ ‬من‭ ‬الرقابة‭ ‬الذاتية‭ ‬لديهم‭  ‬خوفا‭ ‬من‭  ‬الملاحقات‭ ‬القضائية‭ ‬لعديد‭ ‬الصحفيين‭ ‬الذين‭ ‬مثلوا‭ ‬أمام‭ ‬قاضي‭ ‬التحقيق‭ ‬إما‭ ‬بسبب‭ ‬تصريحات‭ ‬صحفية‭ ‬أو‭ ‬مقالات‭ ‬أو‭ ‬تدوينات‭.‬

وعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬إقرار‭ ‬المرسوم‭ ‬جاء‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬مكافحة‭ ‬الجرائم‭ ‬الإلكترونية،‭ ‬مثل‭ ‬القرصنة‭ ‬والاحتيال‭ ‬وسرقة‭ ‬البيانات‭ ‬على‭ ‬الإنترنت،‭ ‬فقد‭ ‬تحول‭ ‬المرسوم‭ ‬من‭ ‬منظم‭ ‬لهذه‭ ‬الفضاءات‭ ‬الاجتماعية‭ ‬إلى‭ ‬الملاحقات‭ ‬القضائية‭ ‬التي‭ ‬انطلقت‭ ‬باستعمال‭ ‬المرسوم‭ ‬ضد‭ ‬عديد‭ ‬الصحفيين‭ ‬والحقوقيين‭ ‬والنشطاء‭ ‬على‭ ‬غرار‭ ‬الصحفية‭ ‬منية‭ ‬العرفاوي‭ ‬والصحفي‭ ‬محمد‭ ‬بوغلاب‭ ‬و‭ ‬المحامي‭ ‬العياشي‭ ‬الهمامي‭  ‬وغيرهم‭ ‬وقد‭ ‬بلغت‭ ‬هذه‭ ‬الملاحقات‭ ‬حد‭ ‬الإيقاف‭.‬

‭ ‬وتجدر‭ ‬الإشارة‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬عديد‭ ‬الأطراف‭ ‬كانت‭ ‬قد‭ ‬حذّرت‭ ‬من‭ ‬بعض‭ ‬الفصول‭ ‬التي‭ ‬يتضمنها‭ ‬المرسوم‭ ‬بالرغم‭ ‬من‭ ‬محاولات‭ ‬السلطة‭ ‬طمأنة‭ ‬الرأي‭ ‬العام‭ ‬والتأكيد‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬المرسوم‭ ‬لن‭ ‬يمس‭ ‬من‭ ‬نفس‭ ‬الحرية‭ ‬التي‭ ‬نالها‭ ‬التونسيون‭ ‬بعد‭ ‬2011‭ ‬حيث‭ ‬تحتوي‭ ‬عديد‭ ‬الفصول‭ ‬على‭ ‬عبارات‭ ‬فضفاضة‭ ‬قابلة‭ ‬لعديد‭ ‬التأويلات‭ ‬على‭ ‬غرار‭ ‬الفصل‭ ‬24‭ ‬من‭ ‬المرسوم‭  ‬أين‭ ‬تم‭ ‬تجريم‭ ‬شريحة‭ ‬واسعة‭ ‬من‭ ‬الأفعال‭ ‬مثل‭ ‬اإنتاج،‭ ‬أو‭ ‬ترويج،‭ ‬أو‭ ‬نشر،‭ ‬أو‭ ‬إرسال،‭ ‬أو‭ ‬إعداد‭ ‬أخبار‭ ‬أو‭ ‬بيانات‭ ‬أو‭ ‬إشاعات‭ ‬كاذبة‭ ‬أو‭ ‬وثائق‭ ‬مصطنعة‭ ‬أو‭ ‬مزوّرة‭ ‬أو‭ ‬منسوبة‭ ‬كذبا‭ ‬للغير‭ ‬بهدف‭ ‬الاعتداء‭ ‬على‭ ‬حقوق‭ ‬الغير‭ ‬أو‭ ‬الإضرار‭ ‬بالأمن‭ ‬العام‭ ‬أو‭ ‬الدفاع‭ ‬الوطني‭ ‬أو‭ ‬بث‭ ‬الرعب‭ ‬بين‭ ‬السكانب‭.‬

وتفتح‭ ‬هذه‭ ‬العبارات‭ ‬الفضفاضة‭ ‬أمام‭ ‬السلطات‭ ‬الإدارية‭ ‬والقضائية‭ ‬الباب‭ ‬للتوسع‭ ‬في‭ ‬التأويل‭ ‬وبالتالي‭ ‬التضييق‭ ‬على‭ ‬حرية‭ ‬التعبير‭ ‬في‭ ‬الفضاء‭ ‬الرقمي‭ ‬بصورة‭ ‬غير‭ ‬مشروعة‭.‬

وكانت‭ ‬هيئات‭ ‬دولية‭ ‬قد‭ ‬قامت‭ ‬بتحليل‭ ‬وتفكيك‭ ‬محتوى‭ ‬المرسوم‭ ‬منذ‭ ‬صدوره،‭ ‬وقيّمته‭ ‬على‭  ‬ضوء‭ ‬الاتفاقيات‭ ‬والمعاهدات‭ ‬الدولية‭ ‬التي‭ ‬صادقت‭ ‬عليها‭ ‬تونس‭ ‬لتخلص‭ ‬بالإجماع‭ ‬إلى‭ ‬أنه‭ ‬يتناقض‭ ‬مع‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الاتفاقيات‭ ‬والمعاهدات‭ ‬الدولية‭ ‬التي‭ ‬صادقت‭ ‬عليها‭ ‬تونس‭.‬

‭ ‬ومنذ‭ ‬صدوره‭ ‬ذكرت‭ ‬اللجنة‭ ‬الدولية‭ ‬للحقوقيين‭ ‬في‭ ‬تقريرها‭ ‬بأن‭ ‬المرسوم‭ ‬صدر‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬أي‭ ‬ااستشارات‭ ‬أو‭ ‬نقاش‭ ‬عامب،‭ ‬معربةً‭ ‬عن‭ ‬قلقها‭ ‬إزاء‭ ‬عمليات‭ ‬الملاحقة‭ ‬التي‭ ‬تدق‭ ‬ناقوس‭ ‬الخطر‭ ‬والتي‭ ‬صدرت‭ ‬بموجب‭ ‬المرسوم‭ ‬عدد‭ ‬54،‭ ‬مدينة‭ ‬الملاحقات‭ ‬القضائية‭ ‬للحق‭ ‬المشروع‭ ‬في‭ ‬حرية‭ ‬التعبير‭.‬

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

‫شاهد أيضًا‬

نتيجة لجهود مؤسسات الدولة وتغيير مكتب المحاماة الدولي : تونس تكسب ملف البنك التونسي الفرنسي

حسم ملف البنك التونسي الفرنسي لفائدة الدولة التونسية إثر صدور قرار المركز الدولي لفض نزاعا…