مديرة ديوان رئيس الحكومة كشفت بعض الأرقام أحزاب خارج الخدمة وأخرى خارج القانون.. من المسؤول؟
خلافا للسنوات الماضية، تسير الأمور بسلاسة تحت قبة البرلمان بمناسبة مناقشة مشروع ميزانية الدولة ومشروع الميزان الاقتصادي ومشروع قانون المالية لسنة 2024، ولم يفسد بعض الاختلاف الودّ إلى حد الآن في تمرير ميزانيات عديد االمهمّاتب وبالأغلبية المطلقة، غير أن بعض المسائل كانت لافتة سواء في تدخلات نواب الشعب أو أعضاء الحكومة حول جملة من المسائل التي تهم البلاد والعباد والتي يتوجب اليوم إيلاءها ما تستحق من اهتمام في مستوى التشريع والتنفيذ والرقابة.
ولعلّ من أبرز المسائل أو الملفات التي تم طرحها على هامش المناقشات، ملف الأحزاب والجمعيات الذي تقاذفته منظومات الحكم المتعاقبة درءا للصدام أو تحقيقا لمآرب خاصة بالإضافة إلى قلة الكفاءة كي لا نقول انعدامها في العديد من الأحيان.
وفي تقديرنا، فقد صنعت مديرة ديوان رئيس الحكومة سامية الشرفي قدور الحدث مطلع الأسبوع الجاري عندما كشفت خلال أشغال الجلسة العامة المسائية ليوم الاثنين 20 نوفمبر 2021 والمخصصة للنظر في مهمة رئاسة الحكومة من مشروع ميزانية الدولة للسنة القادمة، صدور أحكام قضائية علّقت نشاط 97 حزبا لم تقدم تقاريرها المالية في الآجال.
كما كشفت المسؤولة الحكومية عن الشروع في تتبع الأحزاب السياسية التي لم تقدم تقاريرها المالية منذ 2018، كما بينت ان أحكاما صدرت بحل 15 حزبا في حين حلّت 14 حزبا نفسها بنفسها بين 2020 و 2022..
وبطبيعة الحال اقتصر الأمر على تقديم الأرقام وهي ذات دلالة دون تسمية الأشياء بأسمائها.
امتحانات عسيرة
وليس عسيرا اليوم بالنسبة إلى المتابع للشأن الوطني أن يدرك أن الأحزاب الـ 250 تقريبا التي تم الترخيص لها للنشاط العلني منذ 2011، اغلبها في حالة لا تحسد عليها، بعضها خارج القانون وبعضها خارج الخدمة وبعضها الآخر يكابد إما صراعا داخليا او صراعا خارجيا برز بالخصوص بعد 25 جويلية 2021 دون ان ننسى معضلة تحيين مرسوم الأحزاب الذي لم يعد مناسبا للمرحلة وهو الذي بُني على توافقات وتفاهمات المرحلة الانتقالية الأولى مباشرة بعد ملحمة 14 جانفي 2011 غير المكتملة والذي غض الطرف عن الكثير من المطبات والفخاخ التي فتحت الباب أمام تقنين أحزاب مارقة لا تعترف بالجمهورية وأخرى تكدس المال وتوظفه في الشان العام دون رقيب في غياب التمويل العمومي بطبيعة الحال..
أما بالنسبة إلىالأحزاب الخارجة عن القانون فهي منطقيا معلومة لدى الحكومة وتحديدا لدى الإدارة المعنية بالأحزاب والجمعيات بالقصبة والتي تسهر على رصد مدى احترام الاحزاب السياسية لمقتضيات مرسوم الأحزاب عدد 87 لسنة 2011 المؤرخ في 24 سبتمبر 2011، سواء في ما يتعلق بإيداع الكشوفات المالية أو الوفاء بالالتزامات والتعهدات التنظيمية من قبيل عقد المؤتمرات في ابانها واحترام دوريتها..
ثانيا، لقد وقفنا خلال عديد المحطات السياسية وخصوصا إبان الاستحقاقات الانتخابية الرئاسية والتشريعية والبلدية على غياب عدد لا يستهان به من الأحزاب التي نشأت على عجل وتبخرت على عجل أيضا، وهي في الغالب كيانات عائلية أو اقتصادية جمعت أصحاب مصالح مشتركة لم تعمر علاقتهم طويلا.
وهنا،إذاأحصينا عدد المشاركين في مجمل الاستحقاقات الانتخابية السابقة سنكتشف ان عددهم لا يفوق 60 حزبا سواء كانت مشاركتهم فردية او في إطار جبهات وائتلافات انتخابية.
معادلة أخرى لم تقف عندها المسؤولة الحكومية وهي ان أغلب الأحزاب التي ظهرت بعد 2011 وتكاثرت وتوالدت وتشققت لم تعمر طويلا وانه رغم تعويم الأهداف وتقارب السلوكات ما يزال الفصل ممكنا بين الأحزاب العقائدية والأحزاب االلاّيتب وبين الأحزاب اليمينية والأحزاب اليسارية التقدمية على قاعدة البرنامج الاقتصادي والاجتماعي، والغلبة كانت لأحزاب اليمين ولم تنصف الظروف الموضوعية اليسار التقدمي الذي يملك الإجابات المناسبة للمرحلة.
حجر الأساس
وللأسف عرفت الفترة الماضية موجة من شيطنة الأحزاب ومن التشكيك في أدوارها وحصل ما عبر عنه البعض بترذيل الحياة السياسية والعمل الحزبي خصوصا في ظل التطورات التي عرفتها بعض الكيانات والعائلات السياسية.
ولا يمكن أن نتجاهل الوضع الخاص الذي تعرفه بعض الأحزاب القانونية التي تعيش حالة استثناء على غرار النهضة المغلقة مقراتها والمودعة أغلب قيادتها في السجن، وكذلك حالة الحزب الدستوري الحر الذي تم توقيف رئيسته ونفس الأمر بالنسبة إلى حزب القطب والحزب الجمهوري وهي تقريبا من ابرز الأحزاب التي سجلت حضورها في الساحة السياسية التونسية.
بقي أن ما لم تقع إثارته بالقدر الكافي تحت قبّة البرلمان وهو في صلب اختصاص سكان قصر باردو يتعلق بإعادة النظر في التشريعات الجاري بها العمل وتحيين مرسوم الأحزاب الذي تم الإعلان عنه في أكثر من مناسبة لكن دون جدوى.
ان الأرقام وحالة الانفلات التي عرفها المشهد الحزبي في تونس بعد 2011، بعد حقبة طويلة من تجربة الحزب الواحد ثم الحزب المهيمن، والكبت والتضييق على العمل العام والنشاط السياسي، لا تفسر لوحدها حالة أحزابنا اليوم والتي هي أمام اختبار قاس وضروري حتى يتم الفرز على قاعدة البقاء للأصلح كما يقال.
وبقطع النظر عن موقف السلطة وبشكل خاص موقف رئيس الجمهورية من الأحزاب، فإن هذه الاخيرة ضرورية بل هي حجر الأساس في الديمقراطية التي نصم بها تجربتنا ونضع بها أنفسنا داخل نادي الديمقراطيات العريقة والحديثة، وها نحن نرى كيف تسللت الأحزاب الى مجلس نواب الشعب بالذات من خلال ثقوب الترشحات الفردية وتواجد كتل حزبية وازنة يصل عدد أعضائها الى 30 في الوقت الذي يتحدث فيه البعض عن نهاية الاحزاب.
كذلك الأمر بالنسبة الى من بنى أطروحته على أساس فكر الرئيس قيس سعيد فاستعدى التحزّب في البداية لكن سرعان ما تشكل في أحزاب داعمة ومساندة لا يعلم الا الله ما الذي يجمع بين امناضليهاب.
وليس حال الجمعيات التي يحوم عددها حول العشرين ألفا تقريبا بأفضل من الأحزاب حيث أعلنت مديرة ديوان رئيس الحكومة أنه تم ضبط عشرات الجمعيات االمشبوهةب وتم طلب الإذن بحل العشرات أيضا وهو ما يفرض على الجميع بما أن الجميع مسؤول ولو بدرجات متفاوتة، التعجيل بالمراجعات الضرورية على جميع الأصعدة كما أسلفنا التشريعية والتنفيذية والرقابية.
التشخيص والتوصيف متّفق عليه : كيف سيتمّ إنقاذ المؤسسات العموميّة؟
أشار وزير النقل رشيد عامري مطلع الأسبوع الجاري بأن برنامج مراجعة شاملة لشركة الخطوط التونس…