توقيع هدنة مؤقتة بين حماس واسرائيل بوساطة قطرية ومصرية وأمريكية فسح المجال شاسعا لأحاديث وأسئلة الربح والخسارة، الهزيمة والانتصار…
من الرابح ومن المنتصر.. هل انهزمت اسرائيل حقّا وقبلت بالهدنة رغما عنها والتي قد تتحوّل الى مفاوضات بين الطرفين.. هل انتصرت حماس ـ حقيقة ـ بإرغام اسرائيل على هدنة مؤقتة…؟ وما الذي خسرته اسرائيل في هذه الحرب وما الذي حققته حماس؟
نطرح هذه الأسئلة ونحن أمام مأساة انسانية بأتمّ معنى الكلمة وأمام خسارات تحمل كلّها عنوانا واحدا لن يمّحي من تاريخ البشرية وسيسجّل في ادفاتر العارب الذي سيلاحق الجيش الصهيوني وحكومة اليمين المتطرف الى أن تفنى…
حرب إبادة لم يحدث مثلها في التاريخ الحديث للبشرية استهدفت شعبا أعزل واقتلعته من أرضه فمات من مات وهجّر من هجّر وما تبقى ففي سجلات المفقودين…
أكثر من 14 ألف شهيد ماتوا دفعة واحدة ورغما عنهم اضافة الى آلاف الجرحى من المدنيين…
لم يخض الجيش الصهيوني احرب رجالب في غزة (جيش مقابل جيش) وإنّما خاض حرب غدر وجبـن قصفت الأطفال والنساء والبيوت الآمنة أو التي كانت آمنة ودمّرتها بأكملها… دمّرت بلدا وشعبا وأحرقت أرضا وحوّلت حياة من تبقى الى جحيم سيترك تشوّهات عميقة على جسد الأرض التي استباحها الجيش الصهيوني تحت عناوين كاذبة وادعاءات سفيهة اكتشف الرأي العالمي سفاهتها ـ متأخرا ـ وقد كان واقعا تحت مخادعات اعلام صهيوني أوروبي أمريكي ابان عن وجهه العنصري القبيح واللاانساني في حرب غزّة والتي اسقطت ـ بدورها ـ عديد الأكاذيب تباعا وعلى رأسها كذبة الاعلام الاوروبي والأمريكي النزيه ثم كذبة أوروبا الانوار وثقافة حقوق الانسان وأمريكا الديمقراطية الراعية للحق الانساني أينما كان… لقد اسقطت غزة كل هذه الأقنعة وقدمت لنا الوجه العنصري والاستعماري لأوروبا وأمريكا ومدى صهيونية الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي تحرك بما أساء لفرنسا ولتاريخ ديبلوماسيتها التي انتصرت ـ باستمرار ـ لحق الشعوب في تحرير أوطانها وفي تقرير مصيرها…
نعود الى أسئلة البدء… أسئلة الربح والخسارة… فهل انهزمت دولة الاحتلال بالفعل وقبلت بالهدنة ـ على مضض ـ ولتعيد ترتيب خططها بعد فشلها على أرض المعركة في تحقيق ما أعلنته من أهداف وأهمّها القضاء على حماس ومحو وجودها قيادة وعتادا وهو ما لم يتحقق على امتداد أكثر من أربعين يوما من القصف العشوائي الذي ابادت خلاله ولضراوته أكثر من 14 ألف من شباب وأطفال ونساء غزة.
لقد تكبّد الجيش الصهيوني خسائر كبرى في العدد والعتاد وأخفق في تحرير الرهائن وفشل في القضاء على قيادات حماس السياسية كما العسكرية ورغم ذلك يرضخ الهدنة مؤقتةب وهذه في حدّ ذاتها هزيمة باعتبار فشل االمهمّة الحربيةب التي حُرّك الجيش من أجلها وقد فشلت بكل عناوينها… نضيف إليها فشل استخباراتي وعسكري في تقدير الامكانيات الحربية لدى حركة حماس وقد اخفقت المخابرات في هذه الحرب اخفاقا قاتلا ساهم ـ بالفعل ـ في إرباك مخططات الجيش الصهيوني. الاخفاق الأول كان كارثيا بحيث لم تتمكن الاستخبارات من التقاط ولو إشارة واحدة عن اطوفان الأقصىب الذي باغت الجيش الاسرائيلي وكان مسترخيا ولم يتوقع ـ أبدا ـ حدوث هذه الثغرة العميقة وكانت قاتلة وقد أطاحت بأسطورة الجيش الصهيوني واستخباراته التي لا تقهر.
أما الاخفاق الثاني للمخابرات فكان في سوء تقدير الامكانيات الحربية لحركة حماس وتحديدا لجناحها العسكري.. حيث توقع الجيش بانه سيخوض حربا سريعة وخاطفة ينهي خلالها ودون عناء قيادات حماس على أرض المعركة ليلتفت بعد ذلك الى القيادات السياسية الا انه فوجئ ابآلة عسكرية حربيةب تقاتل بشراسة من تحت الارض لا من فوقها بحيث ترى العدوّ ولا يراها… لذلك تحول الجيش الصهيوني الى اقاتل عشوائيب انتقم من المدنيين ودمّر المستشفيات وقتل الأطفال والنساء وكل العزل ما ساهم في ارتداد الرأي العام العالمي المتعاطف ـ باستمرار ـ مع اسرائيل والذي انقلب عليها ـ متأخرا ـ وخرج الى شوارع الغضب مندّدا بالجرائم الصهيونية.
لقد خسرت اسرائيل في حربها على غزة سياسيا وأصبح اليمين المتطرف عبءا على الكيان الصهيوني لما ارتكبه من جرائم حرب ثقيلة لن تفلت من تبعاتها حكومة نتنياهو والذي سيُلاحق بدوره جنائيا بتهم الابادة الجماعية لمدنيين عزل.
وكما خسرت سياسيا فقد خسرت اقتصاديا ايضا باعتبار الكلفة الباهظة للحرب والتي كلفت الاقتصاد الاسرائيلي خسائر مالية فادحة اضافة الى تململ الداعمين لاسرائيل من اوروبا وأمريكا وقد أصبحت الحرب عبءا عليهم خاصة مع استمرار الحرب الروسية الأوكرانية والتي تكلفت باهظا ـ ايضا ـ على اوروبا..
وعليه فإن خسائر اسرائيل في هذه الحرب سياسية واقتصادية وعسكرية اضافة الى فقدانها لتعاطف الرأي العام الغربي الاوروبي والامريكي الذي انقلب عليها…
وفي المقابل حظيت حماس بتعاطف عربي واسع رسمي وشعبي اضافة الى دعم سياسي غير خاف كسبته حماس من دول كبرى وتحديدا من الصين ومن روسيا ما لم يحدث سابقا بهذا الوضوح.. واضافة الى كل هذا فإن حماس ستستفيد من الهدنة باعادة ضخ وتأمين الوقود والأدوية والاغذية مع اعادة ترتيب خططها الحربية على ارض المعركة كونها تدرك بأن الجيش الصهيوني لن يتراجع نهائيا..
لقد أرغمت حماس حكومة نتنياهو على هدنة مؤقتة وبشروطها وذلك بوقف القتال على امتداد أربعة ايام واطلاق سراح 50 رهينة من النساء والاطفال مقابل الافراج عن 150 فلسطيني من السجون الاسرائيلية مع السماح لعبور المساعدات الانسانية بما في ذلك الوقود الى قطاع غزة.. وهذا في حد ذاته انتصار للمقاومة وفيه إذلال ما بعده إذلال لاسطورة الجيش الذي لا يقهر..
ما الذي ربحته اسرائيل من حربها على غزة ..لا شيء ما عدا العار الذي سيلاحق جيشها الى ان يفنى..
ما الذي ربحته حركة حماس من حربها ضد الكيان؟ لا شيء ـ في الواقع ـ غير حقيقة واحدة وهي ان المقاومة الوطنية المسلحة هي السبيل الوحيد لتحرير الأرض…
«قرطاج المسرحية» من التأسيس إلى التأصيل إلى التحديث..!
تنعقد الدورة الخامسة والعشرون لأيام قرطاج المسرحية وسط سياقات دولية ثقيلة على الضمير الان…