«شبح» الأزمة يخيّم من جديد على المواطن التونسي في حسن تجسيم الدور الاجتماعي للدولة..
إن تواصل الأزمة الاجتماعية على مختلف المستويات بالتوازي مع ارتفاع الأسعار وغلاء المعيشة ومحدودية التشغيل في الوظيفة العمومية وصعوبة الاستثمار والانتصاب للحساب الخاص يدفع بكل قوة وسرعة إلى إعادة النظر في كيفية تجسيم الدور الاجتماعي للدولة الذي طالما أكد عليه رئيس الجمهورية قيس سعيد تقريبا في أغلب تصريحاته وخطاباته والتفكير في حلول وآليات إجرائية وتطبيقية تظهر للعيان وللمستفيدين الأثر الايجابي لهذا التدخل على الوضعية الاجتماعية للمواطنين والمساهمة في تحسين ظروف عيشهم وتحسين خدمات و أداء المرفق العام في مختلف المجالات وتدخل الدولة في أغلب القطاعات العمومية.
فلعّل تأكيد أعلى هرم السلطة على أن الدولة لا يمكن أن تتخلى عن دورها الاجتماعي يعزز طرحنا لهذا الموضوع للدفع نحو التفكير في آليات جديدة عملية وإجرائية يمكن تطبيقها في كل القطاعات وفي كل شبر من ربوع البلاد لتحقيق الفائدة والاستفادة المباشرة للمواطن من الدور الاجتماعي للدولة الذي يمكن أن يتمظهر في عديد الأشكال منها المالية المباشرة وأخرى في علاقة بقرارات وطنية وسيادية أو في مجمل الاتفاقيات الاقتصادية التي تمضيها الدولة مع شركائها من المانحين الدوليين ومع الدول الشريكة والصديقة بما يضمن كافة الحقوق الأساسية للإنسان من صحة وتعليم وضمان اجتماعي وغيرها من الخدمات العمومية الأخرى بالتوازي مع ضمان الحد الأدنى من العيش الكريم بتوفير الشغل وتقليص الأزمة الاقتصادية والاجتماعية بما يحسن ظروف عيش المواطنين ويدعم مقدرتهم الشرائية.
كما أن إصرار رئيس الجمهورية على عدم المضي قدما في إمضاء الاتفاق مع صندوق النقد الدولي وعدد من الاتفاقيات الأخرى نابع من المبدإ الأساسي المتعلق بضمان الدور الاجتماعي للدولة ورفض املاءات الصندوق المجحفة والمتعلقة أساسا برفع الدعم عن المواد الأساسية والضغط على كتلة الأجور وإعادة هيكلة المؤسسات العمومية باعتبارها مهدّدا أساسيا للسلم الاجتماعي.
فرفض املاءات صندوق النقد الدولي يقطع كليا مع السياسات الخارجية التي تتحكم في الاقتصاد التونسي واستراتيجية التنمية وغيرها من المسائل الإستراتيجية المتعلقة بالحقوق الأساسية للمواطن التونسي ، حيث تحيلنا عديد القراءات على أن أحد الأسباب الرئيسية للأزمة الهيكلية التي يعاني منها الاقتصاد التونسي يعود إلى طبيعة المنوال التنموي المهترئ الذي اتبّعته بلادنا منذ الاستقلال والذي كان تحت رعاية صندوق النقد الدولي ، هذا الصندوق الذي يسعى اليوم ومن جديد إلى إحكام قبضته على الاقتصاد التونسي في محاولة لتوجيه بوصلة سياساتنا العامة في مختلف المحالات وفق أجنداته الخاصة وتحديد مستقبل الأجيال القادمة وفق رؤيته لا رؤيتنا وهو ما ترفضه الدولة التونسية حاليا سلطة وشعبا.
فخيار التعويل على الذات والبحث عن بدائل جديدة لتعبئة الموارد المالية للدولة وعدم التعامل مع المانحين الدوليين صناديقا كانت أو دولا إلا وفق ما تمليه المصلحة العامة للدولة واحترام سيادة الدولة التونسية واستقلالية قراراتها الوطنية يأتي ضمن السياسات العامة للدولة والتي تضبط أسس التعامل الاقتصادي والدبلوماسي مع أي جهة أجنبية (صناديق تمويل ، دول ، هيئات ،منظمات ، مؤسسات…) بما يضمن حقوق التونسيين وعدم ارتهان لا الدولة ولا الأجيال القادمة إلى الخارج أو إلى جهات معيّنة تريد فرض أجنداتها خدمة لمصالحها الخاصة أو مصالح إقليمية في ارتباطات مع مجموعات أخرى من الدول أو الأطراف أوالوبياتب باختلاف مجال تدخلها ونشاطها.
هذه الإستراتيجية الجديدة ضمن السياسات العامة للدولة والتي تقطع مع الماضي وسياسات بناء الشراكات والتحالفات والتي تضع ضمن أولوياتها الحفاظ على الدور الاجتماعي للدولة والسلم الاجتماعية ينبغي وفق تقديرنا دعمها بحزمة من الآليات القابلة للتنفيذ واقعيا وإبراز أثرها ونتائجها الايجابية على المواطن التونسي في مختلف المجالات وفي معيشه اليومي بإيجاد السبل الحقيقية والواقعية لدفع مقدرته الشرائية التي تتهاوى يوما بعد يوم نتيجة للأزمة الاقتصادية التي تعيش على وقعها البلاد منذ سنوات وتداعيات الأزمة العالمية وجائحة كوفيد ـ 19 والحرب الأوكرانية – الروسية التي مازالت متواصلة إلى حد الآن وتحسين الخدمات العمومية على غرار قطاع النقل والعمل على تطوير أسطوله وتحسين البنية التحتية والخدمات الصحية والرفع من جودة التعليم ذ وجميعنا في انتظار نتائج الاستشارة الوطنية لإصلاح التعليم كمنطلق لإعادة النظر في المناهج التعليمية وإصلاح كافة المنظومة وفق الحالة التونسية وتكريس العدالة والمساواة في التعليم في مختلف المناطق والمدارس والمعاهد والكليات ، فضلا عن القطع مع الاسقاطات كما حدث مسبقا باعتماد نظام ا امدب دون دراسة مسبقة والذي أثبت فشله – والرفع من أداء الإدارة وتحقيق التنمية الجهوية واستحثاث انجاز المشاريع التي لها وقع مباشر على حياة المواطن كالمستشفيات والمدارس وتأمين موارد الرزق للفئات الهشة وضمان توجيه الدعم لمستحقيه في علاقة بالمواد الأساسية الخاضعة لدعم الدولة وإنهاء احتكار االحيتانب الكبرى لهذه المواد بطرق غير مشروعة.
فالمواطن اليوم مازال ينتظر أن ينتفع بمختلف الإجراءات التي أتخذت في الآونة الأخيرة وتجسيدها على أرض الواقع ذ وكلنا على وعي ودراية بأن هذه المسائل تتطلب الكثير من الوقت والعمل لاختلاف مساراتها المتشعبة والأطراف المتداخلة فيها ذمن قبيل مواصلة الحرص على توجيه الدعم إلى مستحقيه عبر تكثيف المراقبة والاجراءات الزجرية والتصدي للمضاربة والاحتكار وتسهيل عملية الحصول على تراخيص للانتصاب للحساب الخاص أو تلك المتعلقة بالمجال الفلاحي والتي استفاد منها عدد هام من الفلاحين في انتظار تعميمها على بقيتهم والنظر في مختلف الاشكالات التي مازالت تعترض الفلاحين الصغار.. أو غيرها في مجال النقل.. ومحاربة البيروقراطية الإدارية في اتجاه دفع التنمية والاستثمار وتسهيل وتبسيط الإجراءات ..
وما الجلسة الوزارية التي عقدت مؤخرا بالقصبة في علاقة باستحثاث انجاز المشاريع المعطلة واتخاذه جملة من الإجراءات في اتجاه تجاوز الصعوبات والعراقيل التي حالت دون انجاز عدد من المشاريع في توقيتها المحدد وفي مقدمتها المشاريع في قطاع الصحة مؤشر على اتخاذ مسار استحثاث البرامج والمشاريع وتنقيح ترسانة التشريعات بهدف تعميم الفائدة والنفع على جميع التونسيين دون تمييز والتي تعتبر ضمن انتظاراتهم وفي مقدمة مطالبهم، بالتوازي مع المسائل الأساسية الحياتية الأخرى والتي ينتظر المواطن حسمها نهائيا على غرار وضع حد للارتفاع المتواصل للأسعار بما يؤدي إلى تحسن المقدرة الشرائية للمواطن وضمان وفرة المواد الأساسية التي تخضع لدعم الدولة وحسن توجيهها إلى مستحقيها وخلق التنمية بإيجاد حلول وآليات واقعية قابلة للتطبيق على أرض الواقع وفي آجال معقولة.
وما الأرقام التي أعلن عنها مؤخرا المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية الا مؤشر دال على أن شبح الأزمة الاجتماعية والاقتصادية ما يزال يخيّم على المواطن التونسي إضافة تململ واضح في الاوساط الاجتماعية في مختلف الولايات والتي تتمظهر في عدد من الاحتجاجات المطلبية حيث تصدّرت ولاية قفصة مثلا الولايات الأكثر احتجاجا منذ شهر جويلية الفارط وسجلت في شهر أكتوبر 2023 ما يناهز 36 تحركا وتتمحور جلّ المطالب في المطالب العمالية وحق الشغل، فيما احتلت ولاية تونس المرتبة الثانية في التحركات الاحتجاجية مقارنة ببقية الولايات خلال شهر أكتوبر الماضي بـ 26 تحركا احتجاجيا أما المرتبة الثالثة فهي لولاية منوبة بـ 21 تحركا احتجاجيا.
إثر زيارة رئيس الجمهورية لهنشيري الشعّال والنفيضة : الشعب التونسي في حالة صدمة من هول ما رأى من فساد…
كشفت زيارة رئيس الجمهورية قيس سعيّد غير المعلنة الأخيرة الى كل من هنشير الشعّال بولاية صف…