عن العقوبات التأديبية بالمؤسسات التربوية وضرورة مراجعتها ما أكثر حالات الانقطاع المدرسي التي بدأت بإقصاء عن ساعة درس..!
لاشكّ أنّ المنظومة التربوية ، تشكو منذ عقود من اضطراب بلغ في أحيان كثيرة حدّ الاعتباط، ومن طغيان المزاجيّة القائمة على المصالح الضيّقة أكثر من قيامها على المعطيات الدّقيقة والمعايير الواضحة، في غياب تامّ لمقاربة منظوميّة حقيقيّة للشّأن التّربوي ونأمل بأن تختفي كل هذه الهنات مع الإصلاح التربوي المنتظر…
لن نقتصر اليوم في تناولنا لملفّ المؤسّسات التّربويّة على هذه الجوانب، رغم أهمّيّتها، ولكننا سنتطرق لجانب لا يقل أهمية نظرا لما يمثّله من خطورة بالغة ، سنتحدث اليوم عن العقوباب التأديبية بأنواعها الموجهة للتلاميذ من قبل المربّي وان كان العقاب يكون لردع التلميذ ودفعه للانضباط خاصة وان المؤسسات التربوية تعرف أزمة أخلاق حقيقية وغياب الانضباط في صفوف شقّ كبير من التلاميذ والذي بات بمثابة العدوى أمام عجز المدرسة عن تأطير أبنائها وتعزيز مناعتهم ضدّ الأخطار الوافدة عليهم من الشّارع، وتجاسر المنحرفين عليها .ناهيك أن العديد من التّلاميذ يقضّون القسم الأكبر من يومهم، وأحيانا يومهم كلّه، في الشّارع ليصيروا عرضة لكلّ الأخطار …
يحظى النظام التأديبي اليوم بالاهتمام نتيجة ما تعرفه المدرسة اليوم من مظاهر العنف، وهو الأمر الذي يفرض إعادة النظر في مفهوم السلطة والعقوبة التي يبدو انه بات من الضروري مراجعتها ، ودراسة جدواهما، وخاصة في ظلِّ ما تعرفه المؤسَّسة التربوية من انتشار مختلف أنواع السلوك المحفوفة بالمخاطر وبذلك نعود إلى موضوع العقوبات التأديبية الموجهة للتلاميذ بالفصل، كالإقصاء من الفصل في أي وقت …
في هكذا عقوبة لا بدّ لنا أوّلا من التّساؤل: أين سيقضي التلميذ ما تبقى من الوقت ؟ من سيتكفل بتمكينه من بطاقة دخول لحصة الدرس الموالية ؟ إذا تعذر على الوالدين الحضور بسبب الشغل أو لعدة أسباب أخرى؟ هذا يعني أن يوم تعليم قد ضاع من التلميذ زائد يوم في حياة التلميذ يقضيه في الشارع معرضا لكل أنواع المخاطر المعلومة لدى الجميع ،يوم في حياة التلميذ قد يغيّر مجرى حياته ويقلب موازينها؟ لابد أن تكون للنظام التأديبي دلالة، هل يحتوي القانون التأديبي التونسي على الحماية اللاّزمة للتلميذ ؟ هل تراعي المدرسة التونسيّة وأساسا المدرسة الإعداديّة حاجيات التلاميذ في مرحلة المراهقة؟ خاصة وأن المرحلة الإعدادية تمثل الحلقة الأخيرة من التعليم الأساسي والتي يرتفع في صفوفها عدد المنقطعين عن التعليم ؟ هل تأخذ المدرسة بعين الاعتبار حاجيات هذه الفئة باعتبارها تعيش مرحلة مفصلية وتحتاج إلى التأطير والإشراف والاهتمام؟
إنّ الأمر لا يمكن أن يكون متعلّقا بالعقوبات وحدها ، كما لا يمكن أن يكون متعلّقا بدرجة العقوبة بل يتخطاها إلى عواقب العقوبات المسلطة على التلاميذ في ظل غياب لقاعات مراجعة كما كان سابقا والتي غابت في اغلب المؤسّسات التّربويّة خلال العقود الأخيرة، ونقصد بها خاصّة فضاءات المراجعة والعمل الجماعيّ ونظام نصف الإقامة…
يقول في هذا السياق سليم قاسم رئيس الجمعية التونسية لجودة التعليم لعلّنا نحتاج إلى طرح مسألة الإقصاء من ساعة الدّرس ضمن إطار أعمّ يشمل النّظام التّأديبي والحياة المدرسيّة من جهة، وإدارة الفصل والبرامج التّعليميّة وطرق التّدريس من جهة أخرى، فضلا عن علاقة هذه الظّاهرة بالصورة الذّهنيّة للمدرسة لدى ناشئتنا اليوم. فالأصل هو أنّ الإقصاء إجراء استثنائيّ يمكن أن يلجأ إليه المدرّس في حالات قصوى حين يصير وجود التّلميذ داخل الفصل عائقا حقيقيّا أمام السّير الطّبيعيّ للدّرس، غير أنّنا نلاحظ تطبيعا متزايدا مع هذا الإجراء، حيث صار الآليّة الأولى وأحيانا الوحيدة التي يتمّ اللّجوء إليها لأسباب متعدّدة تتراوح بين التّشويش المتواصل وبين عدم جلب الكّرّاس أو الكتاب المدرسيّ أو عدم القيام بالواجبات المنزليّة أو غيرها من الأسباب.
ولا شكّ أنّ للإفراط في اللّجوء إلى إقصاء التّلميذ من ساعات الدّرس آثاره السّلبيّة على تحصيله وعلى شخصيّته وعلاقته بالمؤسّسة التّعليميّة، فضلا عن إمكانيّة أن يعرّضه هذا الإجراء إلى مخاطر أخرى، أوّلها بقاؤه خارج أسوار المدرسة الإعداديّة أو المعهد الثّانويّ إلى حين الحصول على بطاقة الدّخول، وهو أمر يرتبط في كثير من الأحيان بجلب الوليّ الذي لا يتيسّر إلاّ في اليوم الموالي.. وبذلك يتحوّل الإقصاء بساعة إلى إقصاء بيوم، وليس من النّادر أن يتحوّل الإقصاء بيوم إلى إقصاء بأيّام، خاصّة إذا ما أخفى التّلميذ الأمر عن عائلته خوفا أو لا مبالاة، أو إذا ما تعذّر حضور الوليّ لسبب أو لآخر، فنكون بذلك قد وضعنا التّلميذ على طريق الانقطاع المدرسيّ، وما أكثر حالات الانقطاع التي بدأت بإقصاء عن ساعة درس.
يبقى أنّه من الضّروريّ على تعبير رئيس جمعية جودة التعليم التّنبيه إلى أنّ طرح هذه المسألة بهذا الشّكل لا ينبغي أن يقود إلى استنتاج متسرّع يحمّل المسؤوليّة للمدرّس أو للإدارة، فالمسألة أبعد من ذلك وأشمل، لأنّها تتعلّق بعديد العوامل المتضافرة، منها أنّ تلميذنا اليوم قد عايش منذ بداية مساره التّعليميّ الفوضى التي شهدتها مؤسّساتنا التّربويّة إثر أحداث 2011، كما عاصر الإضرابات العشوائيّة المفتوحة وإغلاق المدارس لفترات مطوّلة بسبب جائحة الكورونا دون وجود أيّ إجراءات مصاحبة أو لاحقة للحدّ من آثار ذلك، فضلا عن الغياب شبه التّامّ لأيّ شكل من أشكال النّشاط الثّقافيّ الذي يمكن أن يوفّر مجالا لاستيعاب طاقات هذا التّلميذ وصقل ملكاته وبناء رؤاه.. كلّ ذلك جعله يقبع في ذيل التّرتيب العالميّ من حيث السّلوك المنضبط، رغم ما يمثّله الانضباط من شرط أساسيّ لقيام حياة مدرسيّة بنّاءة ومسار تعليميّ تعلّميّ فعّال. وفي المقابل، تمثّل البرامج التّعليميّة المكثّفة والمتقادمة، والطّرق البيداغوجيّة غير الملائمة عنصرين يساهمان في فتور علاقة المتعلّم بمؤسّسته التّربويّة وبمدرّسه، ويزداد الأمر حرجا بعدم إيلاء برامج التّكوين الأساسيّ والمستمر لهذا المدرّس العناية اللاّزمة لكفاءات إدارة الفصل والتّعامل مع الوضعيّات الصّعبة وتفهّم الخصوصيّات النّفسيّة والذّهنيّة للتّلميذ وكيفيّة التّعامل معها.
إنّ تفاقم ظاهرة إقصاء التّلاميذ من الأقسام هي عرَضٌ من الأعراض الكثيرة النّاجمة عمّا تشكوه منظومتنا التّربويّة من صعوبات،على حد تعبير سليم قاسم ولا يكمن الحلّ في كتم هذا العرَض أو تحميل مسؤوليّته لهذا الطّرف أو ذاك، بل في البحث عن أسبابه الحقيقيّة ومعالجتها، وهو ما لا يتأتّى إلاّ بترميم ما تداعى من الصّورة الذّهنيّة للمدرسة لدى التّلميذ، وبناء برامج وطرق تعليميّة ملائمة، وحياة مدرسيّة جاذبة، ونظام تأديبيّ ناجع وفعّال، ومرافقة التّلاميذ لاكتساب مهارات إدارة الذّات التي تخرج بهم من الهامشيّة إلى تحمّل المسؤوليّة، مع إشراك الأولياء في تأطير أبنائهم ومساعدتهم على اكتساب الكفاءات اللاّزمة لذلك وتطويرها، لأنّ نواتج التّعلم ينبغي أن تتجاوز المعدّلات والشّهادات إلى بناء الإنسان القادر على تحقيق نجاحه الفرديّ والمساهمة في تحقيق نجاح المجموعة، وقد برهن أبناؤنا في كلّ مناسبة أتيحت لهم عن قدرتهم على تحقيق هذه الغاية وجدارتهم بمنظومة تربويّة متطوّرة تعدّهم للمستقبل أفضل إعداد.
نحو الانتقال بهيكلة المجامع التنمويّة النسائيّة إلى شركات أهليّة : شروط الـــتــأســـيـــس و مـــراحـــله..
يعرف عدد المجامع التنمويّة النسائيّة ارتفاعا من سنة إلى أخرى وهو ما يعكس حجم الإقبال لمخت…