بعد فترة من االهدوء النسبي إن جازت العبارة عاشها التونسي في ما يتعلق بالضغط اليومي للحصول على المواد الأساسية عاد التذمر من جديد وبتنا نعاين الطوابير أمام المخابز للظفر بما تيسر من أرغفة الخبز في مشهد لا يليق بتونس اليوم.
ومن الواضح أننا من جديد في قلب أزمة ندرة حادة تشمل عديد المواد في مقدمتها السميد والفارينة وبالتالي الخبز إلى جانب الحليب والشاي والسكر والأرز والقهوة.
هذا بالإضافة إلى حالة كساد في مجال تجارة الملابس والأحذية والأثاث مما يوحي أن أولوية التونسي اليوم هي توفير الغذاء بعد أن باتت عديد الحاجيات الأخرى من قبيل الكماليات.
والأكيد أن هذه الأزمة تفاقمت لأسباب عديدة داخلية وخارجية فإلى جانب التركة الثقيلة التي تركتها الحكومات التي تعاقبت على السلطة منذ الثورة حتى أواخر 2021 والتي تميزت بسوء الحوكمة والعجز وعدم ايلاء الملف الاقتصادي المكانة التي يستحقها هناك أيضا الجفاف الذي تواصل لسنوات عديدة باتت بسببه تونس تعاني شحا مائيا خطيرا وتراجعت المساحات المزروعة من الخضر والغلال وكذلك تراجعت الكميات المنتجة من الحبوب وتحديدا القمح الصلب الذي كنا نراهن على تحقيق الاكتفاء الذاتي فيه.
طبعا هناك معطيات أخرى في مقدمتها الخيار الذي اعتمدته تونس وهو التعويل على الذات وعدم اللجوء إلى الاقتراض في السنتين الماضيتين حتى لا تخضع لعملية لي الذراع التي يمارسها بعض المانحين الدوليين من اجل ارتهان القرار السياسي التونسي وإهدار السيادة الوطنية هذا بالإضافة قطعا إلى تداعيات الحرب الأوكرانية الروسية وقبلها مخلفات جائحة الكوفيد.
والآن ونحن على أعتاب سنة جديدة نتمنى رغم كل الصعوبات أن تكون سنة الوفرة بالنسبة إلى التونسيين ولكن المعطيات الواقعية لا تنبئ بذلك ونحن نلمح معالم تقشف حاد في ميزانية الدولة المقترحة.
فبرغم أن بلادنا تمكنت من قطع أشواط مهمة في خلاص ديونها ولم تلجأ رغم الظرفية الدقيقة إلى تأجيلها إلا انه بالمقابل تراجع الاستثمار الداخلي والخارجي وهذه معطيات ستلقي بظلالها حتما على الوضعية الاقتصادية وستفاقم الأزمة المالية.
ولعل أول الملامح التي يمكن أن نرصدها بهذا الخصوص التقليص في ميزانية عديد الهياكل والمؤسسات إلى جانب غياب أي تطور في تمويل الاستثمار في ميزانية وزارة الاقتصاد والتخطيط كما جاء على لسان رئيس لجنة المالية في البرلمان مضيفا بأن الوزارة المعنية قد اعتمدت الحوكمة والتقشف نظرا للوضع الاقتصادي الذي تمر به البلاد.
ومن ناحيته اعتبر وزير السياحة السيد محمد معز بلحسين ان الميزانية المرصودة لوزارته ضعيفة نظرا للتحديات الكبرى التي تواجهها الوزارة والقطاع السياحي ككل وذلك خلال جلسة استماع في البرلمان.
والأمر ذاته ينطبق على وزارة الشؤون الدينية التي لا تتمتع أيضا بميزانية كافية وتشكو من نقص ومن عدة شغورات في الأعوان خاصة في سلك الوعاظ والإداريين والعملة والمهندسين وفق ما جاء على لسان ممثلها.
هذا كما تقرر خفض ميزانية المجلس الأعلى للقضاء بنسبة 50 بالمائة في ميزانية عام 2024.
وتحيل هذه الأمثلة على أن بلادنا قد دخلت رسميا مرحلة تقشف بدأنا نلمس آثارها في معيشنا اليومي حتى بات البعض اليوم يتحدث عما يمكن أن نسميه مرحلة اتطبيع التونسيب مع ضنك العيش وحالة الشح في أغلب المواد وأن عيش الوفرة والرفاه لم يعد مطروحا بالنسبة إلى شريحة واسعة من التونسيين.
ومن نافلة القول التأكيد على أن هناك عديد المؤشرات تؤكد بأن الوضع الاقتصادي والمالي سيكون صعبا خلال السنة المقبلة على التونسيين وبالتبعية سيفاقم هذا، الأزمة الاجتماعية وفي الأثناء ينشغل كل التونسيين بالوضع الإنساني التراجيدي في فلسطين ويتضرعون إلى الله أن ينصر إخوانهم المرابطين هناك وان لا يتواصل الجفاف القاسي في بلادنا هذه السنة أيضا فتونس لم تعد تحتمل.
التشغيل في تونس : «أم المعارك» التي لا بدّ من خوضها
لا شك ان احد الرهانات المطروحة على تونس اليوم هو التشغيل بكل ما يعنيه هذا الملف من تعقيد …