«يا وحدة غزة» التي كانت تنتظر الحكام العرب وسلطان تركيا وخطاب حسن نصر الله
المحافظة على الكراسي والعروش في الدول العربية، ومحاولة استعادة مجد السلطان في تركيا اهم من فلسطين، والمحافظة على مصالح إيران أهم لحزب الله من غزة ومن لبنان نفسها، والشعار الفارغ يمكن أن يرث شعارا آخر والمخدوعون الذين امتثلوا للخداع مرة يمكنهم أن يمتثلوا للخداع مرة أخرى.
انتظرت إسرائيل مواصلة شن هجومها الهمجي والبري على المستشفيات والمواطنين العزل في غزة حتى حصلت على ضمانات من الحكام العرب ومن ساكن إسطنبول ومن كلام حسن إيران وميليشياتها بأن جبهة أخرى ضدها لن تُفتح.
وايا وحدناب اللتين انتظرت اوحدة الجبهاتب تدفع الآن الثمن.
وايا وحدة غزةب التي انتظرت فتح معبر رفح الذي يوجد على ارض عربية تحت رقابة إسرائيلية.
إيران وتركيا اللتين لن تكفّا الحديث عن الظلم الذي يتعرض له الفلسطينيون، رأتا كيف ظل الآلاف، ممن تبكيان عليهم، يقعون ضحية لأعمال قصف وحشية، فلم تفعلا شيئا إلا التصريح الكاذب، وإلا التضامن الفضفاض، وإلا لعبة تنس مارسها حزب الله مع إسرائيل بالرد على القذيفة بمثلها.
لم تشهد الحروب في المنطقة مثيلا للوحشية الإسرائيلية ضد غزة على الإطلاق. ولولا وحشية أخرى مارسها النازيون والحلفاء ضد بعضهم البعض في الحرب العالمية الثانية، لما كان التاريخ كله قد عرف وحشية مماثلة. بل إن ما تشهده غزة أعنف بكثير، لأنها سجن مغلق من الأساس. لا كهرباء تصله ولا مياه ولا غذاء ولا دواء ولا اتصالات. وهو ما لم تعرفه دريسدن في المانيا على يد جيش الحلفاء ولا لينينغراد على يد النازيين.
وسوى إطلاقات نار منتظمة ومنضبطة، لم يفعل حزب الله سوى انتظار غزة لتكون ارمزا حسينياب آخر لكي يلطم عليه في عاشوراء. وهو ما يحصل الآن. لينكشف القناع، ويسقط الادعاء.
اما بعد بعد حيفاب لم يصل الى كريات شمونة. أخلت إسرائيل سبع كيلومترات للعبة التنس بينها وبين حزب الله. والمباراة انتهت بالتعادل الذي يستحق الشكر من الطرفين للطرف الآخر. كان الأمر أشبه بالرد على التحية بأحسن منها. لا أكثر.
المرشد الأعلى في إيران علي خامنئي تلقى عشية الهجوم البري الإسرائيلي رسالة شخصية من الرئيس الأمريكي جو بايدن. وعدا التحذيرات من التورط في الحرب أو من توجيه المزيد من الضربات للقواعد الأمريكية في سوريا والعراق، يستطيع المتأمل أن يعرف ماذا تضمّنت تلك الرسالة. فهناك بين واشنطن وطهران الكثير مما يمكن للعاب الولي الفقيه أن يسيل له. ليس أقله الإفراج عن المزيد من الأموال الإيرانية المحتجزة. وليس أقله تخفيف القيود عن استخدام هذه الأموال. وليس أقله تثمين المبادرات السابقة بالإفراج عن المحتجزين في طهران مقابل حفنة مليارات من الدولارات.
الرئيس التركي ظل يزمجر ويعربد ويتوعد ويهدد وهو يعلم انه يشرف على منابع المياه والطاقة التي تتغذى منها إسرائيل، ويحتضن أكبر قاعدة أمريكية تزود الكيان الصهيوني بالسلاح والعتاد.
وتكفل وزير الخارجية الأمريكي بتلجيم باقي الدول العربية من دول الطوق وغيرها، بالوعيد وخاصة بالتهديد.
وفي النهاية فإن االمحافظة على الثورة في إيرانب أهم لحزب الله من لبنان، والمحافظة على المناصب حتى ولو كانت تحت الاحتلال (سلطة عباس) وعلى الحفلات وصرف الأموال في ما لا يعني، وكذلك الحصول على المساعدات المالية والرغبة في لعب دور إقليمي أكبر أهم من فلسطين، وأهم من اوحدة الجبهاتب.
الشعار الفارغ يمكن أن يرث شعارا آخر في النهاية. والمخدوعون الذين امتثلوا للخداع مرة يمكنهم أن يمتثلوا للخداع مرة أخرى ومرات. هذا هو حال المقاومة في غزة وسكانها الآن. يواجهون بواقع ايا وحدناب لا بـاوحدة الجبهاتب.
إيران وتركيا وغيرهما من الدول العربية تمارس مشاهد استعراضية حيال القضية الفلسطينية، مثلما تمارس الميليشيات الشيعية اللطم في عاشوراء ويمارس الرئيس التركي عنترياته الزائفة، ويمارس المسؤولون العرب الرقص في حفلات اللهو والمجون. ذلك لأنها اتلطم على الحلوى الشامية، لا على الحسينب ويحلم بأن يكون سلطان العالم لا بفلسطين حرة، ويرقصون لا فرحا بانتصارات المقاومة بل بقصفها ومحاصرتها. ليست فلسطين ولا القضية الفلسطينية ولا المقاومة ولا المظالم التي يتعرض لها الفلسطينيون هي سبب االملطمةب واالحلمب واالرقصب السبب هو أن تتخذ من هذا كله ذريعة وغطاء لارتكاب المظالم والانتهاكات والتقشف ضد شعوبها باسم االثورة الإسلاميةب وباسم ااسترجاع الأمجادب وباسم االحفاظ على المصلحة العليا والامن القوميب.
وأنت تسمع ما يقوله أمراء الخليج وشيوخ إيران وسلطان تركيا والرؤساء العرب عن جرائم إسرائيل، يجب ألا تنسى ما ارتكب من جرائم وحشية ضد المدن والبلدات في العراق وفي سوريا، حتى تشرد 12 مليون إنسان عن كل بلد.
وأنت تسمع أصداء الدجل التي تتردد من هنا وهناك، يجب ألا تنسى ما ارتكب من جرائم قتل واغتصاب وتشريد في العراق وليبيا واليمن والسودان الان، ابتداء من بغداد، مرورا بالفلوجة والرمادي قبل أن تصل إلى آخر أطراف الموصل ثم في طرابلس وصنعاء والخرطوم. وهو ما أدى مثلا إلى تهجير نحو 5 ملايين عراقي الكثير منهم ما يزالون يعيشون في مخيمات حتى الآن.
أما حزب الله، الذي يستحوذ على قيادة االمقاومةب فهو لم يكن موجودا بالأساس عندما نجحت المقاومة الوطنية اللبنانية بقيادة منظمة العمل الشيوعي والحزب الشيوعي والقومي السوري والتقدمي الاشتراكي، من طرد القوات الإسرائيلية من بيروت في العام 1982.
الصراع مع إسرائيل يجب ان لا يكون على أساس طائفي بين يهود وشيعة! او مطية لتحقيق مكاسب زائلة. هو صراع يجب ان يكون وفق اعتبارات وطنية أو قومية لأن الصراع القائم بين طائفتين، لو ينظر له من باب الكسب والخسارة، تسويته والمهادنات فيه أسهل مليون مرة من تسويته على أساس وطني أو قومي. ومثلما ايتعايشب الشيعة في لبنان مع طوائف أخرى، وتتعامل دول المنطقة في ما بينها بالنفاق والغدر فإن لعبة تنس مع إسرائيل، على أساس طائفي تؤكد أهلية التعايش مع االيهودب واالصهيونيةب.
مشروع بعض دول المنطقة هو نفسه مشروع صهيوني. لأنه يستعين بنفس المعايير ويستمد قدرته على البقاء من الوحشية ذاتها. لا تنظر إلى الفلوجة. لا تنظر إلى درعا أو حلب او اليمن او الخرطوم. حاول أن تنسى! لعلك تنسى أن الحصيلة الدموية من مشاريع بعض الدول في المنطقة وخاصة التي تتحرك وفق اجندات خارجية أكبر بكثير من الحصيلة الدموية للمشروع الصهيوني في فلسطين.
ولكن هات من ينظر إلى هذه الحقيقة بين الذين ظلوا يراهنون على اوحدة الجبهاتب.
الرهان نفسه أعمى، إذا لم ينظر إلى الاختلاف بين طبيعة المشروع الوطني الفلسطيني، وبين المشاريع الأخرى في المنطقة.
مفهوم طبعا أن هذه الدول قدمت وتقدم مساعدات. ولكن غايتها هي تزويد االشعارب بالمبررات، وليس تحقيق الهدف من الشعار. المسافةُ شاسعةٌ بين هذا وذاك. ولكن المقاومة الفلسطينية والشعوب المتعاطفة آثرت أن تعمي بصرها وبصيرتها عن هذا الواقع. آثرت أن ترتضي الخداع. ولكن اكثرهم عقلانية هو مَنْ قال: اإمض وراء الكذّاب إلى باب الدارب.
وها قد وصلنا مع الكذاب إلى باب الدار. فلم نر من اوحدة الجبهاتب إلا ايا وحدناب. ولم نر التهديد بالقصف الى اما بعد بعد حيفاب إلا ما هو أقصر من كريات شمونة.
لو كانت المقاومة ضد الاحتلال تعني ذبحا على مسلخ المشروع الوطني، فإنها أرحم، وأكثر نفعا، وأمضى فاعلية في طريق التحرير، من الذبح على مسلخ مشاريع الدول في المنطقة بما في ذلك مشروع الرئيس عباس.
ولئن كان سكان غزة ومقاومتها يقفون في الرمضاء أي في الحر والنار، فما بال الأعمى بيننا يستجير من الرمضاء بالنار؟
أصلا، استغلال فلسطين وقضيتها لصالح أيّ أحد، هو توجه لا بصر ولا بصيرة فيه.
خير للفلسطيني أن يموت من أجل نفسه، وأن يرفع تابوته على كتفه، من أن يضع التابوت على كتف الدجال والكذّاب. وان يردد ما ردده شاعر فلسطين الراحل محمود درويش في مديح الظل العالي:
وحدي يا وحدي، كم كنت وحدك يا ابن أمي…
للقطع مع ممارسات الماضي ومؤسساته : تونس ورؤية الهدم وإعادة البناء
تواجه تونس اليوم خياراً استراتيجياً في مسارها التنموي يتمثل في كيفية إعادة بناء الدولة وتح…