التونسيون ينبذون التطرف العنيف و يستميتون من أجل الدفاع عن الوجه الحضاري والمدني لبلدهم. حقيقة تتأكد في كل مناسبة وتدحض الكثير مما يقال عنا في بعض المنابر الإعلامية والسياسية المناوئة أو المغرضة التي ما فتئت تحيك الدسائس ضدنا وتسعى إلى تشويه صورتنا بكل الطرق والوسائل.
ومناسبة هذا القول هو السجال الكبير الذي رافق عملية هروب أو تهريب خمسة إرهابيين من سجن المرناقية. ثم القبض مرة أخرى على أحد هؤلاء وهو المكنى بالصومالي في منطقة حي التضامن من قبل المواطنين وما رافق هذا من حملات ساخرة حول المشهدية التي رافقت العملية برمّتها وطريقة استنطاقه من قبل الأفراد وردود فعله التي بدت ساذجة وبلهاء إلى حد كبير وبغض الطرف عما يقال عن العملية بأكملها فإن ما يعنينا هنا هو التعامل الشعبي مع الظاهرة الإرهابية بشكل عام.
فالواضح أنه منذ أن أعلنت وزارة الداخلية في بلاغ لها عن عملية هروب الإرهابيين الخمسة ونشرت صورهم حتى توجه اهتمام المواطنين إلى هذا الحدث الكبير وأصبحت تفاصيل الواقعة حديث الناس ما بين مستغرب ومصدوم مع قراءات مختلفة لما حدث كل وفق رؤيته وموقفه السياسي. لكن اللافت هو الإجماع الكلي حول مسألة مركزية وهي الإدانة اللامشروطة والتي لا لبس فيها لكل فعل إرهابي. وهذا الأمر ما فتئ يتكرر في كل مناسبة وإثر كل عملية استباقية تقوم بها القوات المسلحة العسكرية والأمنية لتقليم أظافر التطرف العنيف أو بعد بعض الهجمات الإرهابية التي جدت في فترات مختلفة من العشرية الماضية.
والأكيد أن درجة الحماس العالي التي شاهدناها لدى التونسيين في كل انتصار امني والخيبة التي ترافق كل هجمة إرهابية تؤكد أن المجتمع التونسي وبالقطع يرفض ظاهرة التطرف العنيف وأنه لا حاضنة شعبية للإرهابيين.
ورغم تنامي هذه الظاهرة طوال عقد ونصف من الزمن وتصاعد الهجمات الإرهابية خاصة في الفترة التي تلت الثورة التونسية فإن الفكر العنيف لم يتغلغل في المجتمع التونسي الذي حافظ على نزعته المنفتحة إلى حد كبير وتجلى ذلك في مراحل مفصلية من أهمها ملحمة بنقردان. حيث كان الهدف هو جعل هذه المدينة اإمارةب إسلامية يستوطنها الإرهابيون على غرار ما حدث في سوريا والعراق وليبيا لكن اللحمة الشعبية والالتفاف المذهل حول القوات المسلحة أسقط كل تلك المخططات في الماء وتم تطهير المدينة من طيور الظلام وبدا واضحا أن جميع متساكني المنطقة يلفظون هؤلاء المتطرفين حتى بعض أفراد عائلاتهم الذين تعاونوا مع القوات الأمنية والعسكرية لإماطة اللثام عن أماكن البعض منهم وتحركاتهم.
طبعا هنا علينا أن نقرّ بأن هناك بعض الأفراد الذين يحملون فكرا متطرفا وعنيفا ويشكّلون خلايا إرهابية نائمة ولكنهم الاستثناء الذي يؤكد القاعدة وهي بالتأكيد غياب الحاضنة الشعبية للإرهاب في تونس على عكس عديد البلدان في محيطنا الإقليمي وهو ما أثبتته وقائع كثيرة.
ومن المهم الآن وبلادنا تعيش ظرفا دقيقا على جميع المستويات أن نلتقط جميعا الرسائل مهما كان مأتاها والاستفادة من حالات الإجماع بشأن بعض القضايا وفي مقدمتها نبذ العنف والتطرف من أجل صناعة رأي عام وطني يحصّن بلادنا ضد أي اختراقات مباشرة أو غير مباشرة. وعلى الفاعلين السياسيين المضيّ قدما في مسار تنقية أجهزة الدولة من كل من تسوّل له نفسه العبث بأمن تونس واستقرارها وتنقية الأجواء الاجتماعية وتجميع التونسيين حول حلم مشترك كما حدث إبان بناء دولة الاستقلال ليباشروا العمل معا من أجل ان تستعيد تونس عافيتها التي فقدتها جراء سنوات من حكم الانتهازيين والسماسرة.
الإعلام في دائرة الضوء : الملف الحارق… وقد آن أوان فتحه…
هل نجح الإعلام التونسي في الاختبار الصعب للحرية؟ هل استطاع ان يخرج من مخاض الانتقال السياس…