أخطاء إجرائية وسياسية بدائية تستوجب المراجعة «المرور بالقوّة» سينسف«تجريم التطبيع» في البرلمان.. !
عندما كشفت مساعدة رئيس مجلس نواب الشعب المكلفة بالإعلام والاتصال سيرين المرابط أن إلغاء الجلسة العامة التي كانت مبرمجة ليوم الاثنين 30 أكتوبر الماضي للنظر في مقترح القانون المتعلق بتجريم التطبيع مع الكيان الصهيوني ينطوي على اخلل إجرائيب، خلنا أن الأمور ستسير في الاتجاه الصحيح وان تعديل الأوتار وإصلاحها ليس عسيرا أمام مشرّعين في البرلمان غير أن تسارع الأحداث وتصاعد الضجيج أبرز العكس على ما يبدو وها هو الحال كما هو عليه إن لم نقل أسوأ مما كان.
اليوم الخميس 2 نوفمبر 2023 المصادف لذكرى وعد بلفور المشؤوم شهادة ميلاد الكيان الصهيوني على ارض فلسطين التاريخية، يوم وقع إقراره ليكون موعدا لجلسة عامة جديدة للنظر في مقترح القانون المـتـعلـق بتـجـريـم التطبيـع عدد 14 / 2023 وتمريره بإجماع يذكّرنا بإجماع المجالس السابقة بل يتجاوزها من حيث الجدية والوجاهة، غير أن مطبات إجرائية مرة أخرى وسياسية بدائية ما تزال تلقي بظلالها وتترك الباب مفتوحا أمام جميع السيناريوهات.
وحتى نعطي لكل ذي حق حقه فإن الأمر لا يتعلّق بنوايا النواب فهم منتصرون لفلسطين ومتحمسون ومناصرون للمقاومة التي ترسم اليوم ملاحم بطولية على ارض الجبارين، والأكيد أن الدعم والإسناد لن يقف عند حدود هذا النص بل سنرى النواب ينفذّون قرارا اتخذوه بالتبرع بيوم عمل لفائدة فلسطين منذ مدة طويلة والاستعداد للقيام بزيارات الى غزة في اقرب الآجال.
ليس ذلك فحسب، فقد تجاوب مكتب المجلس ورئيسه بالخصوص في اجتماع الاثنين الماضي مع رغبة النواب الغاضبين من عدم عقد جلسة عامة حينها وتمرير النص كما اتفق، وفسّر رئيس المجلس بإطناب تعقيدات مسار عرض مشروع قانون بهذا الوزن، وحصل التوافق – تحت الضغط العالي داخل البرلمان وقدّامه – على أن يكون اليوم الخميس هو يوم الفصل والحسم في الموضوع “وذلك بعد اجراء اللجنة – أي لجنة الحقوق والحريات – للاستماعات والاستشارات الضرورية في الغرض مع الأطراف الرسمية المعنية، وطلب إبداء رأي المجلس الأعلى المؤقت للقضاء بخصوص مقترح هذا القانون” حسب ما جاء في البلاغ الصادر على الصفحة الرسمية لمجلس نواب الشعب بالفايسبوك..
إلى هنا يبدو التعاطي مع الموضوع ايجابيا في مجمله والنوايا بدورها طيبة كما أسلفنا لكن أسئلة حارقة سقطت للأسف من حسابات نواب الشعب فهم عندما يربطون جلسة اليوم باستكمال الاستماعات والاستشارات الضرورية كما جاء في البلاغ يحق لنا أن نتساءل إن كانت لجنة الحقوق والحريات قد أنهت مهمتها، فالحيز الزمني الذي لا يتجاوز يومين او ثلاثة لا يكفي منطقيا وإجرائيا لقيام الأطراف الرسمية المعنية بما يتطلبه القانون منها، فما غاب عن نواب الشعب أن الوزارات والمؤسسات العمومية بها مكاتب ضبط، وبها مصالح قانونية، وبها إدارة سياسية، وعليها التشاور أيضا مع وزارات أخرى، ومع رئاسة الحكومة ومع رئاسة الجمهورية خصوصا وأن الأمر يمس الدولة ومحيطها الخارجي وهذه وفق علمنا من صلاحيات رئيس الجمهورية.
إن المرور بالقوة إن جاز القول وارد جدا وسينتشي النواب بالمصادقة على نص “تاريخي” في يوم تاريخي كما يظنون لكن الحقيقة ابعد من ذلك بكثير والمشرّع في الدستور الحالي وفي الدساتير السابقة مستقل في وظيفته لكنه مرتبط بالوظيفة التنفيذية ودخول أي قانون حيز النفاذ يستوجب ختم رئيس الجمهورية ونشره بالرائد الرسمي للجمهورية التونسية.
أكثر من ذلك، نحن اليوم نعيش في غياب المحكمة الدستورية وقد استأثر رئيس الجمهورية بمهمة تأويل الدستور والبت في دستورية القوانين وبالتالي نستبعد صراحة بالصيغة الحالية لنص القانون المقترح أن يختمه ساكن قرطاج وان ينشره بالرائد الرسمي للجمهورية التونسية كي يدخل حيز النفاذ ولا نستغرب ان يضعه في الدرج او يعيده الى أصحابه مرفوقا بجملة من الملاحظات والتعليمات والدروس القانونية علاوة على إمكانية مصارحة التونسيين في المباشر برأي سيادته من هذا النص الضعيف بشهادة الكثيرين.
هي الشعبوية ربما التي قد تحقق بعض المكاسب لأصحابها من قبيل التصعيد والتنفيس والظهور بمظهر المساند للقضية الفلسطينية والمعادي للكيان الصهيوني غير ان الأعمال تقيّم بخواتيمها والخشية ان يتحول مجلس النواب وهو المجلس الذي يتنزل في إطار المشروع السياسي للرئيس قيس سعيد من رفع سقف الخطاب والموقف عاليا، إلى عبء عليه بإحراجه بهذا النص وجره إلى مربع اللوم أو تأنيب سكان باردو الذين كان بإمكانهم أن يكتفوا بنص يغلب عليه الطابع السياسي فالهدف كما نعلم هو القول بصوت عال ان التونسيين لن يطبعوا مع الكيان الصهيوني في هذا الظرف الدقيق الذي تمارس فيه علينا جميع أنواع الضغوط دولا ومؤسسات مالية.
ونستحضر هنا مبادرة تشريعية قُدمت في الغرض سنة 2015 من قبل الجبهة الشعبية آنذاك، أما أن نذهب الى نص قانوني وتقني ونثقله بالتفاصيل فهذا من شانه أن يعقد الأمور خصوصا عند عدم الأخذ برأي أهل الحل والعقد.
مسالة أخرى فاتت نواب الشعب في تقديرنا لان العادة جرت بان تقدم الحكومة مشاريع القوانين، والحكومة تحبك مشاريعها ومع ذلك تستأنس لجان البرلمان بالخبراء والمختصين وبكوادر الوزارات أيضا، والأصل في الأشياء أن نتبنى نفس التمشي ونعكسه بما ان الأمر يتعلق بمبادرة نيابية، فلا شيء كان يمنع الاستئناس برأي أهل الذكر وبالأطراف الرسمية المعنية بالموضوع وعدم فعل هذا يطرح سؤال الجدية والكفاءة في عمل هؤلاء النواب الجدد الذين جاؤوا تحت يافطة محو صورة المجالس السابقة من أذهان التونسيين لأنها كانت صورا سلبية.
التشخيص والتوصيف متّفق عليه : كيف سيتمّ إنقاذ المؤسسات العموميّة؟
أشار وزير النقل رشيد عامري مطلع الأسبوع الجاري بأن برنامج مراجعة شاملة لشركة الخطوط التونس…