هل يحق لنا القول إننا كنا في حالة اطمئنان أكثر مما يجب بشأن ظاهرة التطرف العنيف ؟ وهل يجوز الحديث عن تراخ شعبي وإعلامي وربما أمني أيضا بشأن التعاطي مع الخلايا الإرهابية ؟
هل يمكن الجزم بأن هناك اختراقات في صلب الأجهزة الرسمية تهدد الدولة والمجتمع؟
هي أسئلة لابد منها ونحن نتابع أغرب واقعة إرهابية من نوعها ونعني فرار اخليةب بأكملها من سجن المرناقية أكثر السجون تحصينا في تونس. ودون الغوص في تفاصيل الواقعة التي لا نملك معلومات دقيقة بشأنها حتى اللحظة باستثناء بلاغ وزارة الداخلية يمكن الجزم بأن جللا حدث وينبغي أن يستوقف الجميع ساسة ونخبا وإعلاما وأجهزة أمنية.
ولعلّه من المهم بداية أن نؤكد أننا لا نشك لحظة في الجاهزية الكبيرة لقواتنا المسلحة العسكرية والأمنية و في الجدية العالية التي تعاملت بها مع الملف الإرهابي وقد دفعت الغالي والنفيس من اجل ذلك وسقط عدد كبير من أبنائها شهداء في هجمات إرهابية عديدة مازالت صورها ماثلة أمام أعيننا.
والحقيقة أنه منذ فترة خفت كثيرا الحديث عن الإرهاب وسرت حالة من الطمأنينة لدى الجميع تقريبا وعدنا بشكل واضح لحياة طبيعية جدا . ولم نعد نلمح تلك المراقبة الصارمة في الفضاءات العامة واليقظة العالية خاصة في الأماكن ذات التواجد المكثف للأفراد وكأننا وضعنا نقطة النهاية في أذهاننا لمسألة الإرهاب وطوينا صفحته وانغمسنا في معيشنا اليومي ونحن نركض خلف ضروريات العيش خاصة مع حالة الندرة في الكثير من المواد الأساسية. حدث هذا حتى استيقظنا مذهولين على وقع الخبر الصادم الذي بعثر أوراق الجميع وأعادنا إلى مربع خلنا أنفسنا غادرناه منذ بضعة سنوات على الأقل وهو التهديد الإرهابي الخطير.
ويجزم الكثير من المتابعين والمحللين أن واقعة فرار خمسة عناصر إرهابية مصنفة خطيرة جدا هو الحدث الأخطر بلا منازع في حربنا على الإرهاب.
وسواء تعلق الأمر بفعل إرهابي فائق الدقة والتخطيط أو كان الموضوع استخباراتيا تقف خلفه قوى أجنبية تريد معاقبة تونس وليّ ذراعها لأسباب يطول شرحها أو كانت مسألة متعلقة بالتواطؤ أو اخيانةب داخلية فإن الأمر جلل في كل الحالات ويعيدنا إلى نقطة البدء وهي ذاك الاطمئنان المبالغ فيه الذي نلمسه في حياتنا بشأن مخاطر الإرهاب الذي ما يزال هنا قائما بيننا والخلايا النائمة جاثمة في مراقدها تنتظر الفرصة السانحة ومن اطلع على كتاب إدارة التوحش يدرك كيفية تغيير خفافيش الظلام لاستراتيجياتهم وتغيير جلودهم وانغماسهم في أكثر من جهاز. وإذا أضفنا إلى كل هذه المعطيات ، الوضع الذي كانت عليه الدولة التونسية طوال عشرية من الزمن يمكن أن نتأكد بأننا لم نقض على الإرهاب وأن تقليم أظافر طيور الظلام لا يعني نهايتهم فاليقظة المجتمعية والأمنية والوعي المواطني والتحسيس الإعلامي مسائل ضرورية جدا حتى يحدث الاطمئنان الحقيقي.
ولا ننسى هنا أن ملف العائدين من بؤر التوتر ما يزال مفتوحا ولم يحسم وان هناك فئة كبيرة من الجهاديين قد عادوا بعد ضلوعهم في الدم و اندسوا في المجتمع واذابواب بين أفراده دون أن يخضعوا للمحاسبة لأنهم كانوا بارعين في التخفي والتمويه ويكفي أن نضرب هنا أن البعض منهم قاتل مع داعش في سوريا وعاد حاملا لقب ادكتورب مدّعيا انه كان يدرس في جامعة تركية ونال هذا التتويج العلمي وهناك من يعمل في التجارة ويدّعي انه سافر لممارسة مهنته فالجوازات المزيفة وبطاقات الهوية المدلسة والشهادات المضروبة كلها عوامل مساعدة قادت إلى نجاح هؤلاء في الإفلات من العقاب.
ولعلنا اليوم بعد أن استفقنا جزئيا من الصدمة التي خلفتها واقعة الهروب الهوليودي ندرك أننا نحتاج أكثر من أي وقت مضى إلى أن نعلن الحرب مجددا على الإرهاب ولكن هذه المرة بإرادة سياسية حقيقية وصادقة النوايا.
ونحن نكتب هذه السطور ومازالت مآلات الهروب غامضة وتفاصيلها أكثر غموضا يهمنا أن نوضح الآتي:
بقدر ما يتم التحرك الناجع والسريع للقبض على الإرهابيين بقدر ما يكون الأمر أخف وطأة مجتمعيا وأمنيا. وبقدر ما تكون المكاشفة دقيقة وواضحة بقدر ما تكون الثقة اكبر وأهم وبقدر ما يماط اللثام عن المتورطين وتحميلهم المسؤوليات بقدر ما يتم التهوين من الواقعة الخطيرة. فلننتظر ونرى.
الثورة التونسية بين الأهم والمهم… في ذكرى اندلاعها: مسار صعب..بين يسر وعسر..!
في مثل هذا اليوم من عام 2010 انطلقت الشرارة الأولى لحراك شعبي تونسي سلمي اتفق على تسميته ل…