2023-10-25

عن الحرب الظالمة ضدّ غزّة… عندما يبلغ الظلم مداه…

التغيير‭ ‬سنة‭ ‬من‭ ‬سنن‭ ‬الحياة،‭ ‬ومن‭ ‬يعجز‭ ‬عن‭ ‬قراءة‭ ‬التحولات‭ ‬الاجتماعية‭ ‬والاقتصادية‭ ‬والثقافية،‭ ‬فكأنه‭ ‬أعمى‭.‬

عندما‭ ‬تبلغ‭ ‬المظالم‭ ‬بالناس‭ ‬حدَّ‭ ‬الانفجار،‭ ‬فالناس‭ ‬تنفجر‭. ‬وعندما‭ ‬تفعل،‭ ‬فإنها‭ ‬تدفع‭ ‬بالتاريخ‭ ‬إلى‭ ‬منعطف،‭ ‬وقد‭ ‬لا‭ ‬يعود‭ ‬التراجع‭ ‬ممكنا‭.‬

هذا‭ ‬ما‭ ‬يحصل‭ ‬الآن‭ ‬في‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬ضد‭ ‬سياسات‭ ‬الكذب‭ ‬والأراجيف،‭ ‬ودعم‭ ‬الاحتلال‭ ‬والحرب‭ ‬الظالمة‭ ‬على‭ ‬غزة،‭ ‬وممارسات‭ ‬التمييز‭ ‬العنصري،‭ ‬وهو‭ ‬ذاته‭ ‬ما‭ ‬يحصل‭ ‬في‭ ‬فرنسا‭ ‬وفي‭ ‬كل‭ ‬انحاء‭ ‬العالم‭ ‬ضد‭ ‬جرائم‭ ‬الحرب‭ ‬والسكوت‭ ‬عنها‭ ‬واعتماد‭ ‬ازدواجية‭ ‬المعايير،‭ ‬ويوشك‭ ‬أن‭ ‬يتجدد‭ ‬في‭ ‬فلسطين‭ ‬الداخل‭ ‬وفي‭ ‬مدن‭ ‬الضفة‭ ‬الغربية‭ ‬ضد‭ ‬الاحتلال‭ ‬وسياسات‭ ‬العنف‭ ‬والقتل‭ ‬والتدمير‭ ‬والإرهاب‭ ‬الإسرائيلي‭.‬

شيئان،‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الإطار،‭ ‬تجدر‭ ‬الثقة‭ ‬بهما‭.‬

الأول،‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬الظالمين‭ ‬تأخذهم‭ ‬العزة‭ ‬بالإثم‭ ‬حتى‭ ‬ليظنوا‭ ‬أن‭ ‬ظلمهم‭ ‬باقٍ‭ ‬لهم،‭ ‬وإنه‭ ‬ثابت‭ ‬لا‭ ‬يتغير‭. ‬فيزدادون‭ ‬غطرسة،‭ ‬وتعنتا،‭ ‬ويدفعون‭ ‬بالمزيد‭ ‬من‭ ‬الضحايا‭ ‬إلى‭ ‬صفوف‭ ‬الذين‭ ‬لا‭ ‬يخسرون‭ ‬شيئا‭ ‬إذا‭ ‬انتفضوا‭. ‬وفي‭ ‬ذلك‭ ‬ما‭ ‬يبرر‭ ‬الاعتقاد‭ ‬القائل‭ ‬إن‭ ‬الظلم‭ ‬قاهرٌ‭ ‬نفسه‭ ‬بنفسه‭.‬

والثاني،‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬الناس،‭ ‬غالبيتهم‭ ‬على‭ ‬الأقل،‭ ‬لن‭ ‬يطيقوا‭ ‬العيش‭ ‬في‭ ‬ظلم‭ ‬على‭ ‬طول‭ ‬الخط‭. ‬ما‭ ‬يحصل‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬يصبروا،‭ ‬ثم‭ ‬يحاولوا‭ ‬التكيف،‭ ‬ثم‭ ‬يضيق‭ ‬عليهم‭ ‬الخناق‭ ‬أكثر،‭ ‬ثم‭ ‬ينفجروا‭ ‬في‭ ‬النهاية‭.‬

هاتان‭ ‬آليتان‭ ‬تجدر‭ ‬الثقة‭ ‬بهما‭ ‬دائما‭. ‬ولو‭ ‬أن‭ ‬المرء‭ ‬نظر‭ ‬إلى‭ ‬مسارات‭ ‬التغيير‭ ‬عبر‭ ‬التاريخ‭ ‬كله،‭ ‬لأمكن‭ ‬أن‭ ‬يراهما‭ ‬بوضوح‭ ‬شديد‭.‬

التغيير‭ ‬سنة‭ ‬من‭ ‬سنن‭ ‬الحياة،‭ ‬ومن‭ ‬يعجز‭ ‬عن‭ ‬قراءة‭ ‬التحولات‭ ‬الاجتماعية‭ ‬والاقتصادية‭ ‬والثقافية،‭ ‬فكأنه‭ ‬أعمى‭. ‬فما‭ ‬يحصل‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬الغنى‭ ‬والسلطة‭ ‬والنفوذ،‭ ‬غالبا‭ ‬ما‭ ‬تصبح‭ ‬أدوات‭ ‬لا‭ ‬ترفع‭ ‬مستويات‭ ‬الثقة‭ ‬بالنفس‭ ‬إلى‭ ‬حد‭ ‬الاستعلاء‭ ‬والغطرسة‭ ‬على‭ ‬سنة‭ ‬التغيير‭ ‬فحسب،‭ ‬ولكنها‭ ‬تدفع‭ ‬بالظالمين‭ ‬إلى‭ ‬العمى‭ ‬أيضا‭.‬

ألم‭ ‬يكن‭ ‬الأمرُ‭ ‬من‭ ‬أمور‭ ‬العمى‭ ‬أن‭ ‬اقترحت‭ ‬ماري‭ ‬انطوانيت‭ ‬على‭ ‬الذين‭ ‬يطالبون‭ ‬بالخبز‭ ‬أن‭ ‬يأكلوا‭ ‬الكعك؟‭ ‬ثم‭ ‬ألم‭ ‬يكن‭ ‬الأمر‭ ‬أمرا‭ ‬من‭ ‬أمور‭ ‬العمى‭ ‬أن‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬لم‭ ‬تر‭ ‬فساد‭ ‬سياساتها‭ ‬وهول‭ ‬حروبها،‭ ‬فظلت‭ ‬تقول‭ ‬للذين‭ ‬ينتقدونها‭ ‬إن‭ ‬الارهاب‭ ‬هو‭ ‬السبب؟‭ ‬ثم‭ ‬ألم‭ ‬يكن‭ ‬الأمر‭ ‬أمرا‭ ‬من‭ ‬أمور‭ ‬العمى‭ ‬أن‭ ‬إسرائيل‭ ‬التي‭ ‬ظلت‭ ‬تقتل‭ ‬وتعتقل‭ ‬وتغتصب‭ ‬المزيد‭ ‬من‭ ‬أرض‭ ‬الفلسطينيين،‭ ‬كانت‭ ‬هي‭ ‬التي‭ ‬دفعت‭ ‬بالفلسطينيين‭ ‬إلى‭ ‬انتفاضتين،‭ ‬ثم‭ ‬الى‭ ‬عملية‭ ‬طوفان‭ ‬الاقصى؟

والظلم‭ ‬بديع،‭ ‬لأنه‭ ‬واحدٌ‭ ‬من‭ ‬أهم‭ ‬محركات‭ ‬التاريخ‭. ‬وكلما‭ ‬زاد‭ ‬بشاعة‭ ‬وقهرا‭ ‬وشمولا،‭ ‬كلما‭ ‬كان‭ ‬أفضل،‭ ‬لأنه‭ ‬يحشد‭ ‬بنفسه‭ ‬القوة‭ ‬التي‭ ‬تدحضه‭.‬

لن‭ ‬يعود‭ ‬بوسع‭ ‬أعمال‭ ‬العنف‭ ‬التي‭ ‬تمارسها‭ ‬أجهزة‭ ‬الشرطة‭ ‬في‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬أن‭ ‬تقتل‭ ‬وتفلت‭ ‬من‭ ‬العقاب،‭ ‬لا‭ ‬بين‭ ‬السود‭ ‬ولا‭ ‬بين‭ ‬البيض،‭ ‬والعنصرية‭ ‬إنما‭ ‬تلفظ‭ ‬الآن‭ ‬أنفاسها‭ ‬الأخيرة،‭ ‬صحيح‭ ‬أنها‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تأخذ‭ ‬أشكالا‭ ‬قد‭ ‬لا‭ ‬تقل‭ ‬وحشية،‭ ‬أو‭ ‬أن‭ ‬تتستر‭ ‬وراء‭ ‬ممارسات‭ ‬دفينة‭ ‬وغير‭ ‬مباشرة‭ ‬أكثر،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يحصل‭ ‬على‭ ‬أي‭ ‬حال،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬التغيرات‭ ‬التي‭ ‬تلحق‭ ‬بالثقافة‭ ‬والقانون‭ ‬والأخلاقيات‭ ‬العامة‭ ‬سوف‭ ‬تظل‭ ‬تلاحق‭ ‬تلك‭ ‬الأشكال‭ ‬الجديدة‭ ‬من‭ ‬العنصرية‭ ‬لتقودها‭ ‬في‭ ‬النهاية‭ ‬إلى‭ ‬مثواها‭ ‬الأخير‭.‬

هذا‭ ‬المسار‭ ‬بدأ‭ ‬منذ‭ ‬عهد‭ ‬بعيد‭ ‬ولن‭ ‬يتوقف،‭ ‬وكلما‭ ‬نشأت‭ ‬مظالم‭ ‬جديدة،‭ ‬كلما‭ ‬خسر‭ ‬الظالمون‭ ‬أداةً‭ ‬أخرى‭ ‬من‭ ‬أدوات‭ ‬الظلم‭.‬

ولن‭ ‬يعود‭ ‬بوسع‭ ‬المشروع‭ ‬الصهيوني‭ ‬العنصري‭ ‬أن‭ ‬ينجو‭ ‬وقد‭ ‬تعرّى‭ ‬كل‭ ‬ذاك‭ ‬العري‭ ‬أمام‭ ‬عشرات‭ ‬الملايين‭ ‬من‭ ‬المتظاهرين‭ ‬والمشاهدين‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬انحاء‭ ‬العالم،‭ ‬فسوى‭ ‬أن‭ ‬الفساد‭ ‬والجريمة‭ ‬كانتا‭ ‬هما‭ ‬أداتا‭ ‬الهيمنة‭ ‬والنفوذ،‭ ‬فإن‭ ‬التلوث‭ ‬بدماء‭ ‬الابرياء‭ ‬قد‭ ‬بلغ‭ ‬حدا‭ ‬لا‭ ‬يسمح‭ ‬ببحر‭ ‬من‭ ‬االديتولب‭ ‬أن‭ ‬يطهر‭ ‬أيدي‭ ‬المجرمين،‭ ‬لا‭ ‬في‭ ‬فلسطين‭ ‬المحتلة‭ ‬ولا‭ ‬في‭ ‬الدول‭ ‬المساندة‭ ‬للعدوان،‭ ‬ولا‭ ‬حتى‭ ‬في‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬نفسها‭.‬

فإن‭ ‬تواصل‭ ‬الظلم،‭ ‬فهم‭ ‬خاسرون‭ ‬خاسئون‭. ‬وإن‭ ‬حاولوا‭ ‬أن‭ ‬يربطوا‭ ‬ذيل‭ ‬الكلب‭ ‬بقالب‭ ‬لكي‭ ‬يعدّلوه،‭ ‬فهم‭ ‬خاسرون‭ ‬خاسئون‭ ‬أيضا‭.‬

حتى‭ ‬ليجوز‭ ‬القول‭ ‬لهم‭: ‬شكرا‭ ‬لكم‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬فعلتموه،‭ ‬إذ‭ ‬لولا‭ ‬جرائمكم‭ ‬وفسادكم‭ ‬وشراهتكم‭ ‬ما‭ ‬كان‭ ‬للملايين‭ ‬أن‭ ‬يخرجوا‭ ‬ضدكم،‭ ‬وضد‭ ‬كبيركم‭ ‬الذي‭ ‬علّمكم‭ ‬الظلم،‭ ‬وما‭ ‬كان‭ ‬لعار‭ ‬الخيانة‭ ‬والولاء‭ ‬للأجنبي‭ ‬أن‭ ‬ينكشف،‭ ‬ولقلنا‭ ‬أيضا‭ ‬للصهيوني،‭ ‬بنيامين‭ ‬نتنياهو،‭ ‬وكل‭ ‬حلفائه‭ ‬من‭ ‬اليمين‭ ‬والوسط‭ ‬واليسار‭ ‬داخل‭ ‬إسرائيل‭ ‬وخارجها،‭ ‬الذين‭ ‬يدعمون‭ ‬خططه‭ ‬لقتل‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬ولضم‭ ‬المزيد‭ ‬من‭ ‬الأراضي‭ ‬الفلسطينية‭. ‬شكرا‭ ‬للظلم‭ ‬الشديد،‭ ‬وشكرا‭ ‬لكل‭ ‬أعمال‭ ‬القتل‭ ‬اليومية‭ ‬التي‭ ‬يمارسها‭ ‬جنود‭ ‬الاحتلال‭ ‬ضد‭ ‬الفلسطينيين‭.‬

إنها‭ ‬لحظة‭ ‬تاريخ‭ ‬مجيد،‭ ‬فكلما‭ ‬أوغل‭ ‬الظلم‭ ‬فيها‭ ‬عمقا،‭ ‬كلما‭ ‬أصبح‭ ‬اقتلاعه‭ ‬أسهل،‭ ‬وعندما‭ ‬يقع‭ ‬الانفجار‭ ‬فإن‭ ‬الظلم‭ ‬لن‭ ‬يعود‭ ‬بوسعه‭ ‬أن‭ ‬يستمر‭.‬

أليس‭ ‬الظلمُ‭ ‬قاهرا‭ ‬نفسه‭ ‬بنفسه؟‭ ‬أليس‭ ‬الظالمون‭ ‬عُميا‭ ‬عما‭ ‬يفعلون؟

دعهم،‭ ‬إذن،‭ ‬يمضون‭ ‬به‭ ‬إلى‭ ‬حيث‭ ‬ينحرون‭ ‬ظلمهم‭ ‬بوحشيتهم‭ ‬نفسها،‭ ‬وبأيديهم‭ ‬ينتحرون‭.‬

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

‫شاهد أيضًا‬

للقطع مع ممارسات الماضي ومؤسساته : تونس ورؤية الهدم وإعادة البناء

تواجه تونس اليوم خياراً استراتيجياً في مسارها التنموي يتمثل في كيفية إعادة بناء الدولة وتح…