2023-10-20

مشروع ميزانية 2024 اقرب إلى الواقعية منه إلى الطموح

انطلقت القراءات والتقييمات لما ورد من توجهات وفرضيات في مشروع قانون المالية لسنة 2024 وذلك بالتزامن مع التداول فيها من طرف لجنة المالية والميزانية بمجلس نواب الشعب. ولئن تأثرت التوازنات المالية الكبرى في تونس بالضغوط الناجمة عن تطورات الوضع الاقتصادي سواء على المستوى العالمي أو الوطني فإن مشروع قانون المالية للعام القادم يهدف الى معالجة مختلف الصعوبات المالية التي تشهدها البلاد من خلال العمل على تحقيق الاستقرار الاقتصادي واستعادة نسق النمو والتحكم التدريجي في التوازنات المالية العمومية ودفع نسق الاستثمار واستحثاث العمل على مواصلة إصلاح المنظومة الجبائية وتكريس الدور الاجتماعي للدولة وتأمين تزويد السوق بالمواد الأساسية ودعم قطاع الفلاحة والصيد البحري والاقتصاد الاخضر وغيرها من الأهداف ولكن هل أن ماورد في هذا المشروع من فرضيات وتوقعات كفيلة بتحقيق هذه الأهداف؟ وفي قراءة عامة للملامح الكبرى الواردة في مشروع قانون المالية لسنة 2024 قالت جنات بن عبدالله المحللة المختصة في الشأن الاقتصادي والتجارة الدولية بداية أن ما يميز ميزانية الدولة للعام القادم هو ابتعادها هذه المرة عن المبالغة والطموح المفرط في الفرضيات التي بنيت عليها وأنها إقتربت أكثر من الواقع. وذلك على عكس الميزانيات السابقة.لكن في المقابل فإن هذه الميزانية لم تترجم إستحقاقات القطاعات الاقتصادية التونسية و وتطلعات الشباب في الشغل.
كما بينت بن عبد الله أن هذه الميزانية تبقى وثيقة محاسباتية تدّعي أن لها بعدا اجتماعيا وتنمويا ولكن ذلك لا يستند إلى رؤية استراتيجية واضحة ولا إلى منوال تنمية وطني يقطع مع المنوال الحالي.وباستعراضها لنسبة النمو الاقتصادي المتوقعة ب2,1% لسنة 2024 قالت انها ليست طموحة جدا و مقبولة عموما،ولكنها لن تكون قادرة على خلق الثروة ولا على خلق مواطن الشغل بما يعنيه ان سنة 2024 ستعمق ظاهرة البطالة وظاهرة الهجرة والتهميش والتفاوت الاجتماعي وفق تعبيرها.
وفيما يتعلق بمعدل سعر برميل النفط الخام فقد تم اعتماد معدل سعر 81 دولارا للبرميل فيما تمت المحافظة على سعر صرف الدولار الذي تم اعتماده في الأشهر الاخيرة من سنة 2023.
اما في خصوص هيكلة ميزانية الدولة لسنة 2024 قالت بن عبد الله أن حجم الميزانية سجل زيادة ب9,3% لتصبح في حدود 77868 مليون دينار وهي تضم مداخيل جبائية في حدود 44050 مليون دينار مسجلة تطورا ب11% مقارنة بسنة 2023
وموارد غير جبائية قدرت ب4760 مليون دينار.وفي هذا الصدد اكدت المحللة أن نسبة التطور في المداخيل الجبائية هذه مرتبطة بتحقيق نسبة النمو الاقتصادي ب2,1% المتوقعة لافتة إلى أن الموارد الجبائية يتم تقييمها على أساس تحقيق نسبة نمو الناتج المحلي الإجمالي في 2024.
وفيما يتعلق بالاقتراض الداخلي والخارجي قدرت الموارد التي سيتم تعبئتها ب 28188 مليون دينار في اطار ميزانية 2024 إضافة إلى موارد أخرى للخزينة مقدرة ب520 مليون دينار.
وفي هذا الشأن قالت بن عبد الله أن حجم الدين العمومي المقدر لسنة 2024 سيبلغ 139976مليون دينار وهو ما يعادل نسبة 79,8% من الناتج المحلي الإجمالي مقابل 80,2%متوقعة لسنة 2023.
وبالعودة إلى هيكلة موارد الاقتراض فهي تنقسم إلى اقتراض داخلي واقتراض خارجي.فأما بالنسبة لموارد الإقتراض الداخلي ستكون في حدود 11743 مليون دينار متوقعة مسجلة بذلك ارتفاعا وذلك مقابل 11368 مليون دينار محينة لسنة 2023.
وأما بالنسبة لموارد الاقتراض الخارجي فقد قدرت ب16445مليون دينار مقابل 10365مليون دينار محينة لسنة 2023 منها 14471 مليون دينار بعنوان دعم ميزانية الدولة وفي هذا الصدد قالت المتحدثة أنه ظاهريا ستكون ميزانية الدولة خالية من قروض صندوق النقد الدولي. إلا أنه بالرجوع الى جدول مصادر الاقتراض الخارجي نجد أنه من بين 14471مليون دينار تم الإفصاح فقط عن المصادر المتعلقة باقتراض 4163 مليون دينار فقط وذلك من طرف المملكة العربية السعودية والبنك الافريقي للتصدير والاستيراد والجزائر والبنك العالمي وصندوق النقد العربي…ولكن لم يقع الإفصاح عن المصادر المتعلقة باقتراض ما يقارب 10الاف مليون دينار وهو ما يمثل ثلثي القروض الخارجية وفق تعبيرها وهو ما يعني حسب تقييمها وجود نية لإخفاء هذه المصادر.
وبناء على ذلك خلصت المتحدثة إلى أنه تم إعداد قانون ميزانية على المقاس يرضي رئيس الجمهورية والرأي العام ويتجنب الدخول في الجدل. وهنا دعت المتحدثة مجلس نواب الشعب إلى مطالبة وزارة المالية بالإفصاح عن مصادر الاقتراض .
و بخصوص النفقات المضمنة في ميزانية العام القادم قدرت نفقات التأجير ب23711 مليون دينار مقابل 22773 مليون دينار محينة لسنة 2023.اي بزيادة ب939مليون دينار وبذلك أصبحت نفقات التأجير تمثل 13,5% من الناتج المحلي الإجمالي .وحسب المتحدثة فإن هذا الرقم يؤكد أن الدولة ماضية في اتجاه تطبيق الإصلاحات الهيكلية لصندوق النقد الدولي المتعلق بتقليص كتلة الأجور.
و فيما يتعلق بنفقات التدخلات فقد قدرت ب19696 مليون دينار في 2024 مقابل 19186مليون دينار سنة 2023 وتندرج ضمنها نفقات الدعم التي تشمل دعم المحروقات والمواد الأساسية والنقل.
فبالنسبة لنفقات دعم المواد الأساسية والمحروقات فقد قدرت بنحو 11337مليون دينار مقابل 11475 لسنة 2023 مسجلة تراجعا ب-1,2.% أما بالنسبة لدعم المحروقات فقد حافظت على مستواها في حدود 7086مليون دينار مقابل 7030 مليون دينار سنة 2023 .ويقدردعم المواد الأساسية بنحو 3591مليون دينار مقابل 3805 مليون دينار لسنة 2023 مسجلا بذلك تراجعا طفيفا وهذا يعني وفق المختصة في الشأن الاقتصادي الاستمرار في الدعم مع الرفع التدريجي غير الحاد حتى لا يخلق ذلك جدلا .
أما بالنسبة لنفقات التمويل وتشمل الفوائد الموظفة على الاقتراض الداخلي والخارجي فهذا باب هام جدا في رأيها باعتبار أنه لم يبلغ هذه المستويات سابقا قبل إقرار قانون استقلالية البنك المركزي لسنة 2016
وقد أصبحت هذه النفقات تشكل عبئا كبيرا على ميزانية الدولة بالرجوع الى حجمها المتزايد.ففي سنة 2023 كانت نفقات التمويل في حدود 5842 مليون دينار اما سنة 2024 فقد قدرت ب6838 مليون دينار وهذا يعني زيادة هامة أرجعتها المتحدثة إلى أن الاقتراض لم يكن يتم سابقا عبر البنوك المحلية ولكن عبر البنك المركزي.ولكن اليوم بقانون استقلالية البنك المركزي واعتماد ميزانية الدولة على التمويل الداخلي عبر الاقتراض من البنوك المحلية أصبحت نفقات التمويل تشكل عبئا على ميزانية الدولة. ومن ثمة فإن خدمة الدين لسنة 2024 قدرت ب 24701 مليون دينار منها 17863 اصل الدين و6836 فوائد وهو ما يطرح تحديات كبيرة للميزانية خلال العام القادم .
وفي خصوص ماذا كان مشروع القانون يتضمن إجراءات جديدة محفزة للنمو الاقتصادي و الاستثمارأوضحت المحللة أن ديباجة هذا المشروع عادية وتضم اجراءات لا تستند الى رؤية استراتيجية تلخص حجم التحديات الداخلية والخارجية في ظل النتائج المسجلة سنة 2023 وخاصة تللك المتعلقة بالنمو المحلي الإجمالي حيث كشف هذا الرقم ضعف نمو القطاع الفلاحي الذي سجل ولأول مرة نسبة نمو سلبية أثرت على نسبة النمو الإجمالي. ورغم ذلك فإن هذا القطاع لم يحظ برؤية استراتيجية في قانون المالية القادم بإستثناء إجراءات ترقيعية وظرفيةوفق تعبيرها وغير كافية ليبقى هذا القطاع مهمشا وبعيدا عن إهتمام السلط العمومية.من جهة أخرى اوضحت المتحدثة أن مشروع قانون المالية لم يترجم إستحقاقات القطاعات الاقتصادية التونسية و وتطلعات الشباب وسيكرس تفقير الشعب التونسي سيما وأن نسبة النمو ب2,1%ستتم مراجعتها نحو التخفيض.
وفيما تؤكد وزارة المالية على أن هذا القانون ذو بعد اجتماعي وبعد تنموي إلا أن الأرقام تفند ذلك وفق المختصة في الشان الاقتصادي بالنظر إلى أن الإعتماد على البنوك المحلية لإقتراض أكثر من 11الف مليار لتمويل الميزانية سنة 2024 فهذا يعني في رأيها أن ميزانية الدولة ستعتمد على التمويل النقدي أي الاقتراض من البنوك المحلية وسيكون ذلك على حساب الاقتصاد الوطني وعلى حساب تمويل الاستثمار وخلق مواطن الشغل وسيكون مصدرا لضغوط تضخميةويتسبب في أعباء مالية إضافية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

‫شاهد أيضًا‬

من أجل تحقيق الأمن الغذائي..

 لا شك أن ارتفاع الصادرات الفلاحية التونسية وتحسّن عائداتها  وهو ما أكدته الارقام الاخيرة …