«إسرائيل» ذلك الاستثمار الأمريكي في قلب الأمة العربية
علينا أن نعاني نحن أبناء الأمة، ان كان مازال يمكن ان نطلق على أبناء منطقتنا العربية أمة، لأننا نعيش مع شعب من المختلين عقليا فنجاور كيانا غريب الأطوار مطاطيا في قدرته على التمدد والتقلص ولكنه يزداد تسلّحا في الوقت نفسه.
إسرائيل لا تشتري سلاحا. إنها تتبضع في سوق للعطايا والهبات. فتأخذ ما تشاء ولا تدفع فلسا.
لم توجد إسرائيل لكي تدفع. وجدت لكي تحصل لأنها قاعدة عسكرية وليست بلدا.
القول إن وزارة الدفاع الإسرائيلية اقررت شراء 25 طائرة مقاتلة من طراز أف 35ب، ينطوي على مقدار من التدليس. لأن الصفقة ليست صفقة بيع وشراء من الأساس إنها صفقة تبرعات يمتثل فيها المُتبرِّع لمطالب المُتبَرَع له، ويشكره لأنه مدين له بالشكر بسبب الخدمات الأمنية التي يؤديها.
إسرائيل تحصل على مساعدات سنوية تبلغ نحو 3.5 مليار دولار. ما يجعل الصفقة مجانية من الناحية الفعلية، وهناك فوقها نحو 500 مليون دولار أخرى، عدا غيرها من التبرعات التي تتلقاها إسرائيل من الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي التي تقدم لها تسهيلات تجارية سخية للغاية، تجعل كل شيء في إسرائيل خارج امعايير السوقب لأنها بالأساس كيان ما يزال لم يعرف ما هي معاييره االسوقية ولا الأخلاقية ولا القانونية.
القوة العسكرية الإسرائيلية تكاد تكون ممولة بالكامل من جانب المساعدات المجانية الغربية. وهي تستهدف بالدرجة الأولى المحافظة على تفوق إسرائيل النوعي، حيال كل دول المنطقة الأخرى مجتمعة.
ومنذ انطلاق عملية طوفان الأقصى، سارع الرئيس الإسرائيلي الى مهاتفة الرئيس الأمريكي بايدن، فكانت نتيجة المهاتفة التزام امريكي لا متناه بتوفير العتاد والجنود، وتحركت البارجة الحربية الى الشرق الأوسط قبل ان تنتهي المكالمة.
لماذا؟ لأنها تخاف من الجميع. تشعر أنها جسم غريب مثل شوكة تنغرس تحت الجلد فتصبح دُمّلا.
وهناك برنامج مساعدات دوري اكجزء من التزام طويل الأمدب لإمداد القاعدة العسكرية الإسرائيلية بكل ما تحتاجه من وسائل عسكرية دفاعية وهجومية. وخلال أحدث ادوراتب المعونات، كان الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما أقرّ برنامجا تحصل إسرائيل بموجبه على حزمة منح تبلغ 38 مليارا بين 2017 و2028.
وسارعت ألمانيا وفرنسا وبريطانيا وكندا الى توفير المساعدات المالية واللوجستية والعسكرية بعد عملية طوفان الأقصى.
وكانت إسرائيل بين أولى الدول في العالم التي تتلقى طائرات أف 35 حيث تسلمت الأولى منها في جويلية 2016. سبقت بذلك دولا في الحلف الأطلسي. لأنها هي الحلف الأهم؛ حلف القاعدة التي تؤدي دورها الأمني، تحت ستار أنها ادولةب.
لم تنشأ إسرائيل في الأساس كدولة على توازنات بين إمكانيات وموارد. الإمكانيات تأتي من الخارج، والموارد تبرعات. والقليل مما يمكنها أن تصنعه تبيعه بأسعار مضاعفة، وذلك في محاولة لاختلاق موارد وإنتاج خدعة إمكانيات.
قالت إسرائيل إنها ااشترتب تلك الطائرات من شركة مارتن لوكهيد الأمريكية. البيت الأبيض هو الذي دفع ثمن الصفقة. كما ظل يفعل مع كل صفقة. لأن القاعدة العسكرية قاعدته أصلا.
منذ أن تأسست إسرائيل أنفقت الولايات المتحدة عليها نحو 400 مليار دولار. جو بايدن عندما كان ما يزال سيناتورا قال في العام 1986 القد حان الوقت لكي نكف عن الاعتذار لأننا نقدم مساعدات لإسرائيل، لأنها أفضل استثمار قامت به الولايات المتحدة. تخيلوا كم كان يجب أن ننفق لو أننا أنشأنا قاعدة عسكرية في هذه المنطقةب.
وفقا لهذه المقاربة، الصادقة والمخلصة مع النفس، فإن فكرة إسرائيل كـادولةب قد تصلح أو لا تصلح للنقاش إلا أنها ااستثمارب في النهاية. ولقد ثبت أنه استثمار مربح.
كل حاجات المنطقة للسلاح، وكل عثراتها في التنمية، وكل حروبها المباشرة وغير المباشرة، وكل ما شهدته من نزاعات وتقلبات وصراعات سياسية وسفك للدماء، وكل ما عجزت عن أن تلحق به من مقومات التقدم، كان ذلك االاستثمارب في مركزه تماما.
تخادعنا إسرائيل فتدعو إلى االتطبيعب وهي لا تقدر عليه. فلما قبل البعض من الدول الخداع، خافتْ. حاول البعض أن يقنعها بأننا نستطيع التعايش معها إذا أرادت أن تكون دولة، إلا أنها تعرقل الدعوة. لأنها لم تنضج بعد لتكون دولة.
الشعوب العربية تدفع الثمن لأننا كمن يعيش في حي، يوجد فيه مجنون مدجج بالسلاح. يطلق النار على المارة، ويعتدي على جيرانه، ويقتل ويهجّر ويروّع، ويقول اأحبونيب، اطبّعوا مع جنونيب ويعتبر نفسه ادولةب.
الإسرائيليون لا يعرفون أين تبدأ وأين تنتهي حدود ابلادهمب. تلك الحدود ما تزال، بعد ثلاثة أرباع القرن موضع نقاش وجدل، ليس بيننا وبين إسرائيل، بل بين الإسرائيليين أنفسهم أيضا. خلائط تلمودية، على لخبطة إيديولوجية على اأمر واقعب تصنعه القوة، تجعل قذائف الدبابات هي التي ترسم خارطة الحدود. لا شيء آخر. بالتأكيد، ليس للقانون أي علاقة بالأمر. إسرائيل دولة خارج حدود القانون. وأنت لا تستطيع أن تطلب المنطق، أو القبول بالقانون الدولي، أو الأعراف أو القيم، من شخص مختل عقليا. ستكون أنت نفسك بلا منطق.
الإسرائيليون يحاولون التعرف على ابلادهمب. يحاولون التعايش مع غرائبها. تذهب الدبابات إلى حدود النيل، فتصبح إسرائيل دولة أكبر. تنهزم، فتصغر. تصعد إلى الجولان، فتصبح لها حدود أخرى. تبني مستوطنات في الضفة الغربية، فتتغير الخارطة. وصلت حدودها إلى نهر الليطاني ذات يوم. وصلت إلى بيروت. تقصف هذه الأيام ليلا نهار، المدنيين السجناء في غزة ولم تقدر الى حد الان على وقف صواريخ المقاومة على البلدات الاسرائيلية ولا تصفيتها. فشعرت الدولة أنها، ككيان مطاطي، تستطيع أن تصل إلى أي مكان، فتستولي عليه ثم تتوافق اللخبطة مع الخلائط، فتصبح إسرائيل دولة تتغير مقاييسها احسب ظروف المرحلةب.
إنها االدولةب الوحيدة في العالم التي تنظر إلى حدودها بهذا المقدار من االمرونةب.
الكثير من المقيمين في معسكر الدبابات لديهم عناوين. يمكن أن يصل البريد إليها. ولديهم جيران. ويتزوجون من بعضهم، إلا أن ذلك كله جزء من تلك االمرونةب. وعندما تتغير اظروف المرحلةب، فإن رسائل البريد قد لا تصل. ليبدو كل شيء هناك افتراضيا ومؤقتا. تلك هي طبيعة العيش في دولة ما تزال لا تعرف متى تصبح دولة.
ويكفي هنا ان تنظر الى عدد المغادرين لاسرائيل في هذه الأيام، والى مدن الغلاف التي تحولت الى مدن اشباح، كما ان الجنسية الإسرائيلية لا تلغي الجنسيات الاصلية التي تبقى تحت الطلب وتظهر كلما اندلعت الحرب او اسرت المقاومة جنودا إسرائيليين.
الكثير من دول العالم، والعديد من دول المنطقة، تحاول إقناعها بأن السلام على أساس احل الدولتينب هو أفضل لإسرائيل نفسها. لأنه يحل لها حزمة من عقد الهوية والتعريف والخرائط والمعنى. إلا أن اللخبطة والخلائط تجعلها تعاني من فوضى ذهنية لم يسبق لدولة أن عانت منها. وأحد أهم عوامل الفوضى هو أنها تقوم على اعتقاد يقول إن قذائف الدبابات وقنابل الطائرات والصواريخ التي تتساقط على رؤوس الأطفال والنساء والشيوخ هي التي ترسم الحدود.
عليك أن تعاني يا ابن هذه المنطقة، لأنك تعيش مع شعب من المختلين عقليا، فتجاور كيانا غريب الأطوار، مطاطيا في قدرته على التمدد والتقلص، ولكنه يزداد تسلحا في الوقت نفسه. وتذهب به الجرأة إلى حد القول إنه ااشترىب طائرات جديدة. ااشتراهاب ليدافع عن وجوده ولأجل أن يزداد الجنون اعتقادا بأن الحدود ووسائل العيش ومعايير التطبيع والعلاقات الدولية وعناوين البريد تعتمد كلها على ما ترسمه االمرونةب حسب ظروف المرحلة.
للقطع مع ممارسات الماضي ومؤسساته : تونس ورؤية الهدم وإعادة البناء
تواجه تونس اليوم خياراً استراتيجياً في مسارها التنموي يتمثل في كيفية إعادة بناء الدولة وتح…