2023-10-19

أكاذيب وتلفيق والكيل بمكيالين: الإعلام الفرنسي وقد أعلن إفلاسه؟

ما‭ ‬الذي‭ ‬تريده‭ ‬فرنسا‭ ‬الاستعمارية‭ ‬وهي‭ ‬تكشّر‭ ‬عن‭ ‬أنيابها‭ ‬سياسيا‭ ‬وإعلاميا‭ ‬وتظهر‭ ‬أقبح‭ ‬ما‭ ‬فيها‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬مواقفها‭ ‬من‭ ‬حرب‭ ‬الإبادة‭ ‬التي‭ ‬يشنها‭ ‬بنو‭ ‬صهيون‭ ‬على‭ ‬غزة‭ ‬؟

وهل‭ ‬يدير‭ ‬الفرنسيون‭ ‬بنخبهم‭  ‬وساستهم‭  ‬وإعلامييهم‭  ‬ظهورهم‭ ‬لإرث‭ ‬التنوير‭ ‬الذي‭ ‬يعود‭ ‬إلى‭ ‬الثورة‭ ‬الفرنسية‭ ‬وهم‭ ‬يكيلون‭ ‬بمكيالين‭ ‬إزاء‭ ‬قضية‭ ‬عادلة‭ ‬لا‭ ‬لبس‭ ‬فيها‭ ‬؟‭ ‬

وكيف‭ ‬يفتحون‭ ‬منابرهم‭ ‬لصوت‭ ‬واحد‭ ‬وموقف‭ ‬واحد‭ ‬في‭ ‬تجاوز‭ ‬خطير‭ ‬لكل‭ ‬مقومات‭ ‬التوازن‭ ‬الإعلامي‭ ‬المعروف‭ ‬والذي‭ ‬تعلمناه‭  ‬من‭  ‬المدرسة‭ ‬الفرنسية‭  ‬الصحفية‭ ‬ذاتها؟

ولماذا‭ ‬هذا‭ ‬التعالي‭ ‬على‭ ‬الشعوب‭ ‬العربية‭ ‬التي‭ ‬خرجت‭ ‬للشارع‭ ‬متعاطفة‭ ‬مع‭ ‬أطفال‭ ‬غزة‭ ‬الذين‭ ‬مزقت‭ ‬الآلة‭  ‬العسكرية‭ ‬الصهيونية‭ ‬أشلاءهم‭ ‬وفي‭ ‬مقدمتهم‭ ‬الشعب‭ ‬التونسي؟

نطرح‭ ‬هنا‭ ‬أسئلة‭ ‬الحيرة‭ ‬ونحن‭ ‬أمام‭ ‬موقف‭ ‬يستعصى‭ ‬على‭ ‬الفهم‭ ‬فالإعلام‭ ‬الفرنسي‭ ‬أصبح‭ ‬يضاهي‭ ‬الإعلام‭ ‬الدعائي‭ ‬الصهيوني‭ ‬وربما‭ ‬تجاوزه‭ ‬في‭ ‬أحيان‭ ‬كثيرة‭ ‬وهو‭ ‬ينكل‭ ‬ارمزياب‭ ‬بجثث‭ ‬الشهداء‭ ‬ويستهدف‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬يتعاطف‭ ‬معهم‭ ‬حتى‭ ‬بمجرد‭ ‬الخروج‭ ‬إلى‭ ‬الشارع‭ ‬والهتاف‭. ‬

والحقيقة‭ ‬أننا‭ ‬نحن‭ ‬التونسيون‭ ‬كنا‭ ‬في‭ ‬صدارة‭ ‬أولئك‭ ‬الذين‭ ‬شن‭ ‬عليهم‭ ‬الإعلام‭ ‬الفرنسي‭ ‬حربا‭ ‬شعواء‭ ‬وصب‭ ‬حمم‭ ‬غضبه‭ ‬علينا‭ ‬وهو‭ ‬يصفنا‭ ‬بـاالإفلاس‭ ‬الأخلاقيب‭ ‬وهو‭ ‬الوصف‭ ‬الذين‭ ‬يليق‭ ‬بهذه‭ ‬المنابر‭ ‬المتصهينة‭ ‬التي‭ ‬اختارت‭ ‬الانحياز‭ ‬المفضوح‭ ‬للآلة‭ ‬العسكرية‭ ‬الصهيونية‭ ‬وأصبحت‭ ‬تدين‭ ‬الضحية‭ ‬وتتخندق‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬الجلاد‭. ‬وهي‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬تتساوى‭ ‬مع‭ ‬مواقف‭ ‬عديد‭ ‬الدول‭ ‬الأوروبية‭  ‬وفي‭ ‬مقدمتها‭ ‬بريطانيا‭ ‬وألمانيا‭ ‬وايطاليا‭ ‬وبالتأكيد‭ ‬تتماهى‭ ‬أيضا‭ ‬مع‭ ‬الموقف‭ ‬الأمريكي‭ ‬الذي‭ ‬حرك‭ ‬بوارجه‭ ‬البحرية‭ ‬في‭ ‬اتجاه‭ ‬شرق‭ ‬المتوسط‭ ‬من‭ ‬اجل‭ ‬تطويق‭ ‬المقاومة‭ ‬المطوقة‭ ‬بحصار‭ ‬لا‭ ‬مثيل‭ ‬له‭ ‬في‭ ‬التاريخ‭ ‬المعاصر‭.‬

والواضح‭ ‬أن‭ ‬النخب‭ ‬الفرنسية‭ ‬في‭ ‬مجملها‭ ‬مازالت‭ ‬مثل‭ ‬باقي‭ ‬الشعوب‭ ‬الأوروبية‭ ‬تعيش‭ ‬وطأة‭ ‬الذنب‭ ‬إزاء‭ ‬اليهود‭ ‬وهي‭ ‬تتلذذ‭ ‬بالمجازر‭ ‬الفلسطينية‭ ‬ولسان‭ ‬حالها‭ ‬يستحضر‭ ‬ما‭ ‬يعرف‭ ‬بالمحرقة‭. ‬

وإذا‭ ‬من‭ ‬درس‭ ‬لنا‭ ‬نستخلصه‭ ‬من‭ ‬الحرب‭ ‬الدائرة‭ ‬في‭ ‬غزة‭ ‬إزاء‭ ‬فرنسا‭ ‬بالتحديد‭ ‬فهو‭ ‬أننا‭ ‬لن‭ ‬ننصت‭ ‬من‭ ‬هنا‭ ‬فصاعدا‭ ‬لأي‭ ‬صوت‭ ‬من‭ ‬الأصوات‭ ‬القادمة‭ ‬من‭ ‬هناك‭ ‬والمتشدقة‭ ‬بحقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬وقيم‭ ‬التحرر‭ ‬التي‭ ‬تأسست‭ ‬عليها‭ ‬الثقافة‭ ‬الفرنسية‭ ‬كما‭ ‬نستبطنها‭ ‬جميعا‭ ‬في‭ ‬المخيال‭ ‬العالمي‭. ‬

ونحن‭ ‬نتابع‭ ‬إعلاما‭ ‬موجّها‭ ‬كأن‭ ‬منابرها‭ ‬تنطق‭ ‬من‭ ‬قاعات‭ ‬التحكم‭ ‬في‭ ‬تل‭ ‬أبيب‭ ‬وكأن‭ ‬الشخصيات‭ ‬التي‭ ‬تناقش‭ ‬ما‭  ‬يحدث‭ ‬في‭ ‬فلسطين‭ ‬هم‭ ‬قادة‭  ‬صهاينة‭ ‬وليسوا‭ ‬انخبا‭ ‬مثقفةب‭ ‬أو‭ ‬إعلاميون‭ ‬يبحثون‭ ‬عن‭ ‬الحقيقة‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬جزء‭ ‬منها‭. ‬

الكل‭ ‬يتحدث‭ ‬عن‭ ‬الدفاع‭ ‬المشروع‭ ‬للكيان‭ ‬الغاصب‭ ‬عن‭ ‬نفسه‭ ‬ولا‭ ‬احد‭ ‬يشير‭ ‬من‭ ‬بعيد‭ ‬أو‭ ‬قريب‭ ‬لآخر‭ ‬استعمار‭ ‬استيطاني‭ ‬على‭ ‬وجه‭ ‬الأرض‭ ‬ولحق‭ ‬الشعوب‭ ‬في‭ ‬تقرير‭ ‬مصيرها‭ ‬والدفاع‭ ‬عن‭ ‬وجودها‭ ‬أمام‭ ‬المحتل‭. ‬

والكل‭ ‬يتحدث‭ ‬عن‭ ‬االذبحب‭ ‬واالاغتصابب‭ ‬الذي‭ ‬يدّعون‭ ‬ان‭ ‬المقاومة‭ ‬تمارسه‭ ‬وهم‭ ‬يستحضرون‭ ‬السلوك‭ ‬الداعشي‭ ‬ويروّجون‭ ‬مرة‭ ‬أخرى‭ ‬للإسلاموفوبيا‭ ‬من‭ ‬اجل‭ ‬وأد‭ ‬اي‭ ‬تعاطف‭ ‬شعبي‭ ‬ممكن‭ ‬مع‭ ‬الفلسطينيين‭. ‬يحدث‭ ‬ذلك‭ ‬دون‭ ‬أدلة‭ ‬أو‭ ‬صور‭ ‬حتى‭ ‬الصورة‭ ‬المفبركة‭ ‬التي‭ ‬قدمها‭ ‬رئيس‭ ‬وزراء‭ ‬الكيان‭ ‬المحتل‭ ‬بنيامين‭ ‬نتنياهو‭ ‬وادعى‭ ‬أنها‭ ‬لطفل‭ ‬إسرائيلي‭ ‬متفحم‭ ‬ليتضح‭ ‬لاحقا‭  ‬أنها‭ ‬جثة‭ ‬كلب‭ ‬تم‭ ‬استعمالها‭ ‬لتشويه‭ ‬المقاومة‭ ‬الفلسطينية‭ ‬ولم‭ ‬يعتذر‭ ‬من‭ ‬روّجوا‭ ‬ذلك‭ ‬حتى‭ ‬الآن‭.‬

وآخر‭ ‬ما‭ ‬جاد‭ ‬به‭ ‬الإعلام‭ ‬الفرنسي‭ ‬المنحاز‭ ‬جدا‭ ‬للصهاينة‭ ‬التساؤل‭ ‬عن‭ ‬دواعي‭ ‬خروج‭ ‬المسيرات‭ ‬المساندة‭ ‬للشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬وخصصوا‭ ‬حيزا‭ ‬مهما‭ ‬لتونس‭ ‬وهم‭ ‬يعربون‭ ‬عن‭ ‬استغرابهم‭ ‬لكون‭ ‬الشعب‭ ‬التونسي‭ ‬يستلذ‭ ‬بما‭ ‬أسموه‭ ‬بـاالمجازرب‭ ‬ضد‭ ‬اليهود‭ ‬ويخرج‭ ‬معلنا‭ ‬تضامنه‭ ‬مع‭ ‬حماس‭ ‬وذلك‭ ‬رغم‭ ‬مشاكله‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والسياسية‭ ‬واعتبروا‭ ‬هذا‭ ‬اإفلاساب‭ ‬أخلاقيا‭. ‬

وقد‭ ‬تناسى‭ ‬هؤلاء‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬مواطنين‭ ‬تونسيين‭ ‬من‭ ‬أصحاب‭ ‬الديانة‭ ‬اليهودية‭ ‬يعيشون‭ ‬في‭ ‬بلدهم‭ ‬آمنين‭ ‬مطمئنين‭  ‬منذ‭ ‬قرون‭ ‬وبالتالي‭ ‬المسألة‭ ‬لدى‭ ‬التونسيين‭ ‬ليست‭ ‬دينية‭ ‬ولدى‭ ‬العرب‭ ‬عموما‭ ‬وهم‭ ‬الذين‭ ‬يعتبرون‭ ‬االيهودب‭ ‬أبناء‭ ‬عمومتهم‭ ‬والمعركة‭ ‬سياسية‭ ‬بامتياز‭ ‬وليست‭ ‬دينية‭ ‬كما‭ ‬يريد‭ ‬الصهاينة‭ ‬وحلفاؤهم‭ ‬الترويج‭ ‬لها‭ ‬وهم‭ ‬يتغافلون‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬من‭ ‬آذى‭ ‬اليهود‭ ‬تاريخيا‭ ‬هم‭ ‬الأوروبيون‭ ‬المسيحيون‭ ‬البيض‭  ‬وليس‭ ‬العرب‭ ‬مسلمين‭ ‬ومسيحيين‭ ‬وهذه‭ ‬مسائل‭ ‬يطول‭ ‬شرحها‭ ‬تعود‭ ‬الى‭ ‬دواعي‭ ‬تاريخية‭ ‬وانثروبولوجية‭ ‬وسياسية‭ ‬واقتصادية‭.‬

كما‭ ‬ان‭ ‬استغرابهم‭ ‬من‭ ‬هبّة‭ ‬التونسيين‭ ‬للتعبير‭ ‬عن‭ ‬التعاطف‭ ‬مع‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬رغم‭ ‬البعد‭ ‬الجغرافي‭ ‬والظرف‭ ‬التونسي‭ ‬الدقيق‭ ‬يثير‭ ‬صدمتنا‭ ‬لأنهم‭ ‬اسقطوا‭ ‬من‭ ‬حساباتهم‭ ‬العلاقات‭ ‬العميقة‭ ‬بين‭ ‬الشعبين‭ ‬وامتزاج‭ ‬الدم‭ ‬في‭ ‬حمام‭ ‬الشط‭ ‬وفتح‭ ‬تونس‭ ‬أحضانها‭ ‬للفلسطينيين‭ ‬في‭ ‬أوائل‭ ‬الثمانينات‭ ‬وان‭ ‬الجرح‭ ‬الغزاوي‭ ‬ينزف‭ ‬في‭ ‬قلوب‭ ‬كل‭ ‬التونسيين‭ ‬وهو‭ ‬أمر‭ ‬لا‭ ‬يدركه‭ ‬الباريسيون‭ ‬الذين‭ ‬تحركت‭ ‬فيهم‭ ‬هذه‭ ‬الأيام‭ ‬نعرة‭ ‬التعالي‭ ‬واستيقظت‭ ‬جينات‭ ‬المستعمر‭ ‬القديم‭. ‬

هذا‭ ‬المستعمر‭ ‬الذي‭ ‬يعبر‭ ‬عن‭ ‬صدمته‭ ‬لمساندة‭ ‬أهلنا‭ ‬في‭ ‬اليمن‭ ‬لإخوانهم‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬وكذلك‭ ‬الأشقاء‭ ‬في‭ ‬اندونيسيا‭ ‬الذين‭ ‬خرجوا‭ ‬إلى‭ ‬الشوارع‭ ‬متعاطفين‭ ‬مع‭ ‬غزة‭. ‬

في‭ ‬الحقيقة‭ ‬نحن‭ ‬أمام‭ ‬سقوط‭ ‬مدوّ‭ ‬وإفلاس‭ ‬قيمي‭ ‬ومعياري‭ ‬وأيضا‭ ‬مهني‭  ‬حقيقي‭ ‬للإعلام‭ ‬الفرنسي‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬يعود‭ ‬كما‭ ‬كان‭ ‬عندما‭ ‬تضع‭ ‬الحرب‭ ‬أوزارها‭ ‬مع‭ ‬غزة‭ ‬وسيكون‭ ‬قد‭ ‬فقد‭ ‬مصداقيته‭ ‬إلى‭ ‬الأبد‭. ‬أما‭ ‬نحن‭ ‬فلسنا‭ ‬ممن‭ ‬يعنيهم‭ ‬ما‭ ‬يقوله‭ ‬هذا‭ ‬المنبر‭ ‬أو‭ ‬ذاك‭ ‬عنا‭. ‬ونحن‭ ‬نعلم‭ ‬جيدا‭ ‬أن‭ ‬غرف‭ ‬الأخبار‭ ‬مرتبطة‭ ‬بقاعات‭ ‬تحكم‭ ‬صهيونية‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬عواصم‭ ‬العالم‭ ‬تحدد‭ ‬ما‭ ‬يقال‭ ‬وما‭ ‬يكتب‭ ‬وما‭ ‬يصوّر‭.  

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

‫شاهد أيضًا‬

مرفق القضاء حجر الأساس في بناء الدولة ومؤسساتها  : ..والعدل أساس العمران..

هل نحتاج الى استحضار مقولة علاّمتنا الكبير عبد الرحمان بن خلدون: «العدل أساس العمران»  للت…