النخب العربية والحرب على غزة: ..وللقوة الناعمة حسابات ومصالح شتّى..!
منذ ما يزيد عن السبعة عقود ظلت العلاقة بين العرب والصهاينة علاقة مدّ وجزر على المستوى السياسي والعسكري.ومع كل مرحلة من مراحل التغريبة الفلسطينية كانت أصوات الشعوب متسقة مع الرموز الثقافية التي آلت على نفسها في كل مراحل الصراع أن تكون صوتا قويا مساندا للقضية ورافضا في مرحلة متأخرة لمسألة التطبيع جملة وتفصيلا.
ومنذ أن أطلق الرئيس الراحل جمال عبد الناصر مقولته الشهيرة عن وعد بلفور لقد أعطى من لا يملك وعدا لمن لا يستحق ونحن كعرب نستبطن فكرة رافضة لهذا الكيان المغتصب ولا نتمثل في مخيالنا الجماعي سوى فلسطين التاريخية في مرحلة ما قبل نكبة 1948 واغلبنا يتحدث عن فلسطين بصيغة الجمع حتى تقسيم غزة والضفة الحديث نسبيا تبدو الشعوب العربية في أغلبها خارج دائرته.
وربما لهذا كله كان التضامن الشعبي آليا ودونما مركبات وحسابات سياسية وإيديولوجية منذ بدء طوفان الأقصى تماما مثلما كان في كل محطة مفصلية من محطات الصراع العربي الصهيوني في حين بدت النخب الثقافية والإبداعية مختلفة أكثر في تقييم الموقف وشقتها انقسامات كبيرة بل خطيرة أحيانا.
والغريب أن العدو يتعامل بطريقة مغايرة تماما فنحن نتابع هذه الأيام انتقاما ا توراتياب وحربا تتخذ صبغة دينية لا غبار عليها تحركها نوازع الثأر الذي يحرك سلطات الكيان ولا يخفيه رئيس وزرائهم بنيامين نتنياهو.
أما وزير الخارجية الأمريكي أنطوني بلينكن فهو قد قالها بصريح العبارة بأنه لم يأت بصفته الرسمية وإنما باعتباره يهوديا ابن يهودي.
طبعا هنا لا نحتاج إلى أن نذكّر بأن الكيان الصهيوني الغاصب يخوض حرب إبادة ضد قطاع غزة المحاصر وهو مدجج بالسلاح الأمريكي ومدعوما بأقوى حاملات طائرات في العالم وليس هذا فحسب فهناك قوة إعلامية وثقافية تخوض حربا أمام الكاميرا وعلى مواقع التواصل الاجتماعي داعمة لهذا الكيان.
وعلى طرفي نقيض تبدو ما يمكن أن نسميها القوة الناعمة العربية مرتبكة وخجولة وفي أفضل الأحوال غير مؤثرة. فإذا استثنينا التفاعل البيني أي في ما بين بعض المثقفين أنفسهم وهي تلك الرسائل التي يتم تداولها بالعربية والصور التي يتم تناقلها والتي كلها تدور في حلقة مفرغة وهي أننا نتحدث في ما بيننا وان هذا لا يعدو أن يكون تفريغ شحنات من مشاعر الغضب والتعاطف. ولكنها مواقف من قبيل اضعف الإيمان ليس إلا فهؤلاء المتعاطفين ليست لديهم الأموال ولا القدرات اللوجستية لتغيير الواقع على الأرض قطعا ولكن ليس لديهم أيضا التأثير على مستوى مراكز النفوذ العالمية.
هذا التأثير الذي تملكه بعض النخب العربية سواء تلك المقيمة في الغرب والتي لا رصيدا جماهيريا كبيرا أو مكانة رمزية مهمة لديها يمكن أن تكون مواقفها مؤثرة في الرأي العام العالمي الذي يتم توجيهه عبر اللوبي الصهيوني الذي يشتغل هذه الأيام كما لم يشتغل من قبل.
ومن المؤسف أن بعض هؤلاء اختار أن يكون في صف العدو علنا ودونما حياء بدعوى انه يعبر عن وجهة نظره دون أن يدين المجازر التي ترتكب في حق أطفال فلسطين بشكل معلن.ومن بين هؤلاء الكاتب المغربي الفرنسي الطاهر بن جلون الذي صدم العديد من المتابعين العرب بموقفه المساند للعدو.
في حين آثر بعضهم الصمت دون توظيف المنصات التي له تأثير عليها لخدمة القضية الفلسطينية وتقديم الصورة الحقيقية لما يحدث في غزة بعيدا عن التشويه والتلفيق الذي تمارسه اغلب المنابر الإعلامية الغربية ومن بين هؤلاء نجوم الرياضة المشهورون عالميا وفي مقدمتهم محمد صلاح الذي صدم صمته الجميع ويتم الحديث في الساعات الأخيرة عن تبرعه بالمال لفائدة غزة المحاصرة وحتى وان ثبت هذا فهو غير كاف لأن تأثيره كشخصية اعتبارية كان سيكون أهم بكثير لو كتب تدوينات أو تغريدات أو تعاطف أو أعلن المساندة بشكل علني منذ البداية.
أما صنّاع المحتوى الذين تناسلوا في السنوات الأخيرة في بلاد العرب سواء من نجوم الفن او من القطاعات المجاورة فأغلبهم تغافل عن الحدث وواصل استعراض امقدرتهب الشرائية عبر نشر صور حياته اليومية غير متأدب في حضرة القتل المعلن للفلسطيني في قطاع غزة. وبعضهم اكتفى بالحد الأدنى رفعا للعتب.
وقطعا لن نتحدث هنا عن صائدي الجوائز من المبدعين العرب المستفيدين من كل الوضعيات والذين يحبذون الأكل على كل الموائد فتلك مسألة شائكة.
هنا نحن أمام مأزق النخب العربية أو الرموز الثقافية والعرفية والمشاهير الذين من المفترض أنهم يشكلون وجدان الأمم ووعيها. وهي التي من الواضح أنها تخلت عن دورها سواء في مهمتها الأساسية كصانعة لمضامين فكرية وإبداعية تلتصق بمشاغل الشعوب وتعبر عن قضيتها المركزية أو من خلال المواقف الجريئة والشجاعة التي تعكس انتماءها العميق لهذه الأمة.
والواضح أيضا أن هناك حالة انفصام كلي بين هذه النخب التي باتت مسخا في مجملها وبين القضايا المركزية للعرب.
اتّساقا مع الرهانات الوطنية والإقليمية والدولية : المضيّ بخطى ثابتة نحو أفق جديد
على الجميع ان يحثّ الخطى في الاتجاه الذي رسمه الشعب لبناء تاريخ جديد … هذه الجملة هي…