صفعات متتالية على وجوه من احترفوا الوصاية: تونس لا تُزايد على أحد بل تخُطّ مواقف أصيلة وثابتة…
ربما من اللحظات القليلة التي يذكرها تاريخ العمل العربي المشترك، لحظة وقوف تونس بتحفظ واستنكار لقرار جامعة الدول العربية الذي أباح استدعاء القوات الأمريكية التحريرب الكويت وتدمير العراق، وها هي تعيدها اليوم من خلال تحفظها على البيان الهزيل الذي صدر عن اجتماع وزراء خارجية الدول العربية، والذي لم يرتق الى مستوى اللحظة التاريخية، ولم يلامس حقيقة الجرائم الرهيبة البشعة التي تمارس كل ساعة وكل دقيقة ضد شعبنا في فلسطين، على بعد كيلومترات فقط من مقر انعقاد الاجتماع.
كثير من المراقبين اعتبر ان البيان الصادر عن رئاسة الجمهورية في الساعات الاولى لعملية طوفان الاقصى، هو مجرد مزايدة خطابية واعنترياتب ثورية كما يسميها البعض في الداخل والخارج، لكن تونس أثبتت مرة أخرى أنها لا تزايد بالخطابات ولا تتاجر بالكلمات، بل تمارس قناعات وثوابت ومواقف أصيلة لا يمكن الطعن فيها.
تونس برهنت على ذلك مباشرة اثر انتهاء الاجتماع وما تمخض عنه من بيان هزيل، على انها لا تساوم في مسألة الحق الفلسطيني، وأن هذه القضية التي يعتبرها الشعب التونسي منذ ثمانية وأربعين قضيته المركزية، مازالت كما هي، وقناعة التونسيين لم تتغير ولم تتلون بألوان الموجات التطبيعية ولا بمشاريع صياغة الشرق الاوسط الجديد.
فقد جاء في بلاغ نُشر منتصف ليلة أمس على الصفحة الرسمية لرئاسة الجمهورية أن الرئيس قيس سعيد قد اكلّف السيد نبيل عمار، وزير الشؤون الخارجية والهجرة والتونسيين بالخارج، بتقديم التحفظ التالي على نص القرار الصادر عن اجتماع مجلس جامعة الدول العربية على المستوى الوزاري في دورته غير العادية المنعقد يوم الأربعاء 11 أكتوبر 2023:
اان تونس، الثابتة على مواقفها والمتمسكة بحق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة على كل أرض فلسطين وعاصمتها القدس الشريف أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين، تتحفظ جملة وتفصيلا على القرار الصادر عن اجتماع مجلس جامعة الدول العربية على المستوى الوزاري في دورته غير العادية بتاريخ 11 أكتوبر 2023 لأن فلسطين ليست ملفًا أو قضية فيها مدّع ومدّع عليه، بل هي حق الشعب الفلسطيني لا يمكن أن يسقط بالتقادم أو يسقطه الاحتلال الصهيوني بالقتل والتشريد وقطع أبسط مقومات الحياة من ماء ودواء، ومن غذاء وكهرباء، ومن استهداف للشيوخ وللنساء والأطفال الأبرياء وللبيوت وللمشافي وطواقم النجدة والإسعاف.
إن الحق، بمقاييس شرائع الأرض والسماء، بيّن وعلى الإنسانية كلها أن تنتصر للحق وتستحضر المذابح التي تعرض لها شعبنا العربي في فلسطين الذي مازال يقدم جحافل الشهداء وآلاف الجرحى والثكالى والأيتام من أجل استرجاع حقه السليب في أرضه السليبة كل فلسطينب.
من ناحية ثانية، قالت صفحة رئاسة الجمهورية ان الرئيس قيس سعيد خلال لقائه برئيس الحكومة السيد الحشاني، ووزيرة المالية السيدة نمصية البوغديري، أعلن ان تونس قد أرجعت مبلغ الستين مليون أورو، الذي أرسله الاتحاد الاوروبي دون استشارة تونس ودون التنسيق معها، على اساس أنه مساعدة متأخرة تعويضا عما تكبدته تونس في مجابهة الكوفيد.
وجاء في بلاغ رئاسة الجمهورية عن اللقاء الذي تم أول أمس أنه اتمت إعادة المبلغ الذي قدّمه الاتحاد الأوروبي دون علم السلطات التونسية بعنوان مقاومة جائحة الكوفيد لأن هذه الطريقة فيها مساس بكرامتنا وفرض أمر واقع لم تقع حتى استشارتنا فيه، فشعبنا يرفض المنة تحت أي عنوان ولا يقبل إلا بالتعامل في إطار روح شراكة إستراتيجية تقوم على الندية والاحترامب.
صفعتان في يوم واحد لجهتين مختلفتين جغرافيا وثقافيا وسياسيا، لكنهما تلتقيان في شيء واحد هو احتراف مبدإ الوصاية على الشعوب، والتحكم في مصائر الدول، والنطق باسمها، والتعاطي معها على أساس التعالي والفوقية، واعطاء الدروس للبلدان التي تعتبرها بمقاييسها اضعيفةب، وفرض تبعية دائمة في القرارات التي تسطّرها في غرف مظلمة وتمررها وتطلب من الجميع القبول بها وتمريرها، حتى دون مناقشة محتواها.
وهذا ما دأبت عليه جامعة الدول العربية منذ تأسيسها، وكذلك الاتحاد الاوروبي، لكن تونس استطاعت، وخلال أربع وعشرين ساعة فقط أن توجه صفعتين في حجم موقفين قويين حازمين، رافضين للتبعية السياسية في المواقف والثوابت الأصيلة، وللتبعية الاقتصادية التي يريدونها قائمة على منطق رمي الفتات للشعوب الضعيفة حتى تسكت وتفعل ما نطلبه منها.
صحيح ان هذه المواقف قد تكلّف تونس في ما بعد ربما بعض التبعات والنتائج، لكن في المحصّلة كان لا بد لبلادنا ان تردّ على هؤلاء المتغطرسين، وكان عليهم ان يتلقوا الصفعات وهم الذين تعودوا فقط على اعطاء التعليمات وأخذ القرارات، نيابة عن الاخرين ودون حتى استشارتهم او إعلامهم.
مهرجان السينما المتوسطية بشنني «الأرض أنا، الفيلم أنا.. إنا باقون على العهد»: تطور كبير وحضور مؤثّر وفاعل للمخرج السوري سموءل سخية
استطاع المدير الفني لمهرجان السينما المتوسطية بشنني في الدورة 19 المخرج السوري سموءل سخية …