جذوة‭ ‬المقاومة‭ ‬مازالت‭ ‬حية‭ ‬ولن‭ ‬تموت‭ ‬أبدا‭ ‬بل‭ ‬يتم‭ ‬توارثها‭ ‬جيلا‭  ‬بعد‭ ‬جيل‭ ‬وتنتقل‭ ‬مع‭ ‬الجينات‭ ‬من‭ ‬الجد‭ ‬إلى‭ ‬الحفيد‭. ‬لعل‭ ‬هذه‭ ‬الجملة‭ ‬تختصر‭ ‬المشاعر‭ ‬التي‭ ‬اكتظت‭ ‬بها‭ ‬نفوس‭ ‬كل‭ ‬الأحرار‭ ‬الذين‭ ‬تابعوا‭ ‬وقائع‭ ‬ما‭ ‬يحدث‭ ‬في‭ ‬الساعات‭ ‬الأخيرة‭  ‬على‭ ‬أرض‭ ‬فلسطين‭. ‬بعد‭ ‬يوم‭ ‬فقط‭ ‬من‭ ‬إحياء‭ ‬ذكرى‭ ‬مرور‭ ‬خمسين‭ ‬عاما‭ ‬على‭ ‬حرب‭ ‬العبور‭ ‬التي‭ ‬تمكن‭ ‬خلالها‭ ‬الجيش‭ ‬المصري‭ ‬مرفوقا‭ ‬بالجيش‭  ‬السوري‭ ‬من‭ ‬توجيه‭ ‬ضربة‭ ‬قاصمة‭ ‬إلى‭ ‬العدو‭ ‬الصهيوني‭ ‬واسترجاع‭ ‬جزء‭ ‬هام‭ ‬من‭ ‬الأراضي‭ ‬العربية‭. ‬

والآن‭ ‬ثمة‭ ‬حالة‭  ‬من‭ ‬الرعب‭ ‬القاتل‭  ‬يعيشها‭ ‬الكيان‭ ‬المحتل‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬اللحظات،‭ ‬لحظات‭ ‬يحبس‭ ‬خلالها‭  ‬العالم‭ ‬أنفاسه‭ ‬وهو‭ ‬يتابع‭ ‬ما‭ ‬يحدث‭ ‬في‭ ‬أرض‭ ‬فلسطين‭. ‬إذ‭ ‬كانت‭ ‬الاستفاقة‭ ‬صباح‭ ‬7‭ ‬أكتوبر‭ ‬على‭ ‬طوفان‭ ‬الأقصى‭ ‬وهو‭ ‬التسمية‭ ‬التي‭ ‬أطلقتها‭ ‬المقاومة‭ ‬الفلسطينية‭ ‬على‭ ‬هجوم‭ ‬متعدد‭ ‬الأبعاد‭ ‬شنته‭ ‬على‭ ‬المستوطنات‭ ‬الصهيونية‭ ‬وتمكنت‭ ‬حسب‭ ‬المعطيات‭ ‬الأولية‭ ‬من‭ ‬السيطرة‭ ‬على‭ ‬حوالي‭ ‬21‭ ‬من‭ ‬البؤر‭ ‬الاستيطانية‭  ‬في‭ ‬محيط‭ ‬غزة‭. ‬كما‭ ‬شنت‭ ‬أيضا‭ ‬هجوما‭ ‬صاروخيا‭ ‬على‭ ‬تل‭ ‬أبيب‭. ‬

ومن‭ ‬الطبيعي‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬وقع‭ ‬الهجوم‭ ‬المباغت‭ ‬والموجع‭ ‬صادما‭ ‬لدى‭ ‬الصهاينة‭ ‬الذين‭ ‬استنفروا‭ ‬إذ‭ ‬دوت‭ ‬صفارات‭ ‬الإنذار‭ ‬في‭ ‬مناطق‭ ‬عديدة‭ ‬من‭ ‬جنوب‭ ‬ووسط‭ ‬الكيان‭ ‬الصهيوني‭ ‬وسرت‭ ‬حالة‭ ‬من‭ ‬الذعر‭ ‬في‭ ‬نفوس‭ ‬المستوطنين‭ ‬وقال‭ ‬الجيش‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬إنه‭ ‬يستعد‭ ‬للحرب‭ ‬ضد‭ ‬الفلسطينيين‭. ‬

أما‭ ‬وزير‭ ‬دفاع‭ ‬الكيان‭ ‬المحتل‭ ‬فقد‭ ‬أعلن‭ ‬أن‭ ‬حركة‭ ‬حماس‭ ‬ارتكبت‭ ‬خطأ‭ ‬فادحا‭ ‬بشنها‭ ‬الحرب‭ ‬عليهم‭ ‬مدعومة‭ ‬من‭ ‬إيران‭ ‬وفق‭ ‬تعبيره‭. ‬

ويبدو‭ ‬أن‭ ‬سريان‭ ‬حالة‭ ‬الهلع‭ ‬في‭ ‬صفوف‭ ‬المستوطنين‭ ‬قد‭ ‬جعلتهم‭ ‬يفرون‭ ‬إلى‭ ‬الملاجئ‭ ‬وعدد‭ ‬كبير‭ ‬بدأ‭ ‬يتحسب‭ ‬لأيام‭ ‬عصيبة‭ ‬قادمة‭ ‬ولإمكانية‭ ‬أن‭ ‬يطول‭ ‬أمد‭ ‬الصراع‭ ‬هذه‭ ‬المرة‭ ‬فشرعوا‭ ‬في‭ ‬اقتناء‭ ‬الإمدادات‭ ‬الأساسية‭. ‬خاصة‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬تعالت‭ ‬أصوات‭ ‬المقاومة‭ ‬مطالبة‭ ‬جميع‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬بالقتال‭ ‬معتبرة‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬المعركة‭ ‬تستهدف‭  ‬إنهاء‭ ‬آخر‭ ‬احتلال‭ ‬على‭ ‬وجه‭ ‬الأرض‭. ‬

ولعل‭ ‬هذه‭ ‬المعركة‭ ‬هي‭ ‬الأهم‭ ‬بين‭ ‬المقاومة‭ ‬والكيان‭ ‬المحتل‭ ‬منذ‭ ‬فترة‭ ‬حيث‭ ‬كان‭ ‬آخر‭ ‬تصعيد‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬2021‭ ‬واستمر‭ ‬الصراع‭ ‬وقتها‭ ‬لمدة‭ ‬عشرة‭ ‬أيام‭ ‬تقريبا‭.‬

واليوم‭ ‬يتحدث‭ ‬بعض‭ ‬المواطنين‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬عن‭ ‬مشاعرهم‭ ‬وهم‭ ‬يتابعون‭ ‬هذا‭ ‬الطوفان‭ ‬ويشاركون‭ ‬فيه‭ ‬بالقول‭ ‬اإنه‭ ‬مثل‭ ‬الحلم‭ ‬يصعب‭ ‬تصديقهب‭. ‬ولعل‭ ‬تزامن‭ ‬هذا‭ ‬الهجوم‭ ‬الكبير‭ ‬على‭ ‬الكيان‭ ‬الصهيوني‭ ‬الغاصب‭ ‬يجعل‭ ‬إحياء‭ ‬ذكرى‭ ‬حرب‭ ‬1973‭ ‬ذا‭ ‬طعم‭ ‬خاص‭ ‬وهي‭ ‬الحرب‭ ‬التي‭ ‬منيت‭ ‬فيها‭ ‬إسرائيل‭ ‬بهزيمة‭ ‬نكراء‭ ‬كانت‭ ‬بمثابة‭ ‬الكارثة‭ ‬التي‭ ‬ألحقها‭ ‬بها‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬الجيش‭ ‬المصري‭ ‬والسوري‭. ‬وسقطت‭ ‬نهائيا‭ ‬مقولة‭ ‬الجيش‭ ‬الصهيوني‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬يقهر‭ ‬تلك‭ ‬التي‭ ‬تغلغلت‭ ‬في‭ ‬نفوس‭ ‬بعض‭ ‬العرب‭ ‬وهو‭ ‬يصنعون‭ ‬وهما‭ ‬في‭ ‬أذهانهم‭.‬

وما‭ ‬يحدث‭ ‬اليوم‭ ‬تحت‭ ‬سماء‭ ‬فلسطين‭ ‬يؤكد‭ ‬مرة‭ ‬أخرى‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬الكيان‭ ‬أوهن‭ ‬من‭ ‬بيت‭ ‬العنكبوت‭ ‬فالفشل‭ ‬الذريع‭ ‬الذي‭ ‬أظهره‭ ‬أمام‭ ‬هجوم‭ ‬المقاومة‭ ‬صباح‭ ‬7‭ ‬أكتوبر‭ ‬2023‭ ‬هو‭ ‬دليل‭ ‬آخر‭ ‬على‭ ‬سقوط‭ ‬مقولات‭ ‬كثيرة‭ ‬حوله‭.‬

لكن‭ ‬طوفان‭ ‬الأقصى‭ ‬كما‭ ‬سميت‭ ‬المعركة‭ ‬هذه‭ ‬المرة‭ ‬يأتي‭ ‬في‭ ‬سياق‭ ‬إقليمي‭ ‬مخصوص‭ ‬فقد‭ ‬تداعت‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الأنظمة‭ ‬إلى‭ ‬مسارات‭ ‬للتطبيع‭ ‬مع‭ ‬إسرائيل‭ ‬وخفتت‭ ‬الأصوات‭ ‬المنادية‭ ‬بالقتال‭ ‬من‭ ‬اجل‭ ‬استعادة‭ ‬الأرض‭ ‬إلى‭ ‬حد‭ ‬كبير‭ ‬مقابل‭ ‬تعالي‭ ‬أصوات‭ ‬منادية‭ ‬بالسلام‭ ‬وإنهاء‭ ‬الصراعات‭ ‬الدائرة‭ ‬في‭ ‬الأرض‭ ‬المحتلة‭. ‬

كما‭ ‬انه‭ ‬وباستثناء‭ ‬عواصم‭ ‬عربية‭ ‬قليلة‭ ‬ظلت‭ ‬وفية‭ ‬لخطها‭  ‬المبدئي‭ ‬الرافض‭ ‬للتطبيع‭ ‬والمساند‭ ‬دونما‭ ‬شرط‭ ‬ودون‭ ‬الكنب‭ ‬مع‭ ‬القضية‭ ‬الفلسطينية‭ ‬البوصلة‭ ‬الوحيدة‭ ‬الثابتة‭  ‬في‭ ‬ظل‭ ‬كل‭ ‬التحولات‭ ‬الإقليمية‭ ‬التي‭ ‬تعصف‭ ‬بمنطقتنا‭ ‬منذ‭ ‬ما‭ ‬يربو‭ ‬عن‭ ‬عقد‭ ‬من‭ ‬الزمن‭ ‬فإن‭ ‬الغالبية‭ ‬العظمى‭ ‬ركنت‭ ‬إلى‭ ‬التطبيع‭ ‬والى‭ ‬الالتقاء‭ ‬مع‭ ‬العدو‭ ‬الأزلي‭ ‬حول‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬المصالح‭. ‬

كما‭ ‬أن‭ ‬اللافت‭ ‬هو‭ ‬أن‭  ‬شعارا‭ ‬من‭ ‬قبيل‭ ‬الا‭ ‬تصالحب‭ ‬القصيدة‭ ‬الخالدة‭ ‬للشاعر‭ ‬المصري‭ ‬أمل‭ ‬دنقل‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬إنجيلا‭ ‬لأجيال‭ ‬من‭ ‬النخب‭ ‬المثقفة‭ ‬لم‭ ‬تعد‭ ‬تلقى‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الهوى‭ ‬في‭ ‬نفوس‭ ‬أجيال‭ ‬من‭ ‬المبدعين‭ ‬والفنانين‭ ‬الذين‭ ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬هناك‭ ‬حرج‭ ‬لديهم‭ ‬من‭ ‬الإقرار‭ ‬بتعاطيهم‭ ‬بأشكال‭ ‬وطرق‭ ‬مختلفة‭ ‬مع‭ ‬مسألة‭ ‬التطبيع‭ ‬حتى‭ ‬أن‭ ‬بعضهم‭ ‬لا‭ ‬يرى‭ ‬مانعا‭ ‬في‭ ‬زيارة‭ ‬هذا‭ ‬الكيان‭ ‬والحصول‭ ‬على‭ ‬ختم‭ ‬منه‭ ‬على‭ ‬جواز‭ ‬سفره‭. ‬

ولعل‭ ‬بعض‭ ‬الصور‭ ‬التي‭ ‬تابعناها‭ ‬لمشاهير‭ ‬عرب‭ ‬وهم‭ ‬يستعرضون‭ ‬زياراتهم‭ ‬لبعض‭ ‬الأماكن‭ ‬من‭ ‬داخل‭ ‬فلسطين‭ ‬المحتلة‭ ‬خير‭ ‬دليل‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬نقول‭.‬

وكأن‭ ‬زمن‭ ‬المقاطعة‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬النخب‭ ‬العربية‭ ‬لكل‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬إسرائيلي‭ ‬وعدم‭ ‬الاقتراب‭ ‬منه‭ ‬من‭ ‬بعيد‭ ‬أو‭ ‬قريب‭ ‬حتى‭ ‬في‭ ‬البلدان‭ ‬التي‭ ‬كان‭ ‬لها‭ ‬السبق‭ ‬في‭ ‬توقيع‭ ‬معاهدات‭ ‬سلام‭ ‬مع‭ ‬الكيان‭ ‬المحتل‭ ‬قد‭ ‬انتهى‭ . ‬

والثابت‭ ‬حتى‭ ‬الآن‭ ‬أن‭ ‬طوفان‭ ‬الأقصى‭ ‬هو‭ ‬حدث‭  ‬مكثف‭ ‬سيتم‭ ‬التأريخ‭ ‬به‭ ‬لاحقا‭ ‬ولعله‭ ‬يكون‭ ‬منطلقا‭ ‬للكثير‭ ‬من‭ ‬المراجعات‭ ‬بشأن‭ ‬أنفسنا‭ ‬نحن‭ ‬العرب‭ ‬وبشأن‭ ‬الآخر‭ ‬الصهيوني‭.‬

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

‫شاهد أيضًا‬

التشغيل في تونس : «أم المعارك» التي لا بدّ من خوضها

لا شك ان احد الرهانات المطروحة على تونس اليوم هو التشغيل بكل ما يعنيه هذا الملف من تعقيد  …