سكان الهوامش في الأرياف المنكوبة: “العيش”..تحت الحدّ الأدنى الإنساني..!
في صور صادمة، لمواطنين يشربون من حفرة (قلتة) مع حيواناتهم في منطقة أولاد عمر من عمادة بني حازم بمعتمدية مكثر من ولاية سليانة، وثقها وكشف عنها قسم العدالة البيئية بالمنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية بعد أن تم اللجوء إليه من قبل ناشطة بيئية ومتساكنين من المنطقة من أجل العمل على وضع حد لهذه المأساة وفك عزلة القرية عن طريق إيصال أصوات الأهالي إلى الرأي العام والسلطات المعنية لتحقيق مطلبهم الوحيد المتمثل في الحصول على الماء الصالح للشراب،تعود بنا عجلة الزمان إلى ملف التنمية والعدالة الاجتماعية، الذي يوثق معاناة العديد من متساكني المناطق الريفية والنائية بسبب الفقر والخصاصة ونقص جميع مرافق الحياة وفي مقدمتها الماء الصالح للشراب والمرافق الصحية وانعدام التغطية الاجتماعية والمساكن اللائقة التي تحفظ كرامتهم وإنسانيتهم.
أولاد عمر، منطقة ريفية كغيرها من المناطق المعزولة والمنكوبة اقتصاديا واجتماعيا، تعيش فيها 22 عائلة أي ما يقارب الـ100 متساكن في عزلة تامة عن مركز المدينة الذي يبعد عنهم سبعة كيلومترات وتربطهم به طريق في حالة يرثى لها. وتزيد عزلة الأهالي معضلة العطش التي يعيشون مأساتها منذ عقود بسبب غياب خدمات الشركة الوطنية لاستغلال وتوزيع المياه وغياب أي مصدر للماء الصالح للشراب ما عدا عين ماء طبيعية مشفوعة بمجرى بدأ تدفقها بالتراجع منذ سنة 2019 ليبلغ مستواه الأدنى في سنة 2023 قبل أن تتوقف عن التدفق تماما في بداية شهر أوت.
وقد ذكر قسم العدالة البيئية في بيان مساندة للمنطقة أن أهالي أولاد عمر ظلوا صامدين ومستبسلين في المطالبة بحقهم في الماء الصالح للشراب وربطهم بشبكة الصوناد، غير أن مطالبهم لم تقابل إلا بالتسويف والمماطلة من طرف السلط المحلية والجهوية وعلى رأسها ولاية سليانة وإقليم الشركة الوطنية لاستغلال وتوزيع المياه مما يضطرهم اليوم للسير كيلومترات على الاقدام، وخاصة منهم النساء لجلب الماء من الواد أو من عين أخرى مجاورة لمنطقة يرتادها متساكنوقرية أخرى وما قد تنجر عنه من نزاعات حول هذه العين وطوابير انتظار طويلة.
وتطرح هذه الصور التي لم تعد حكرا على منطقة واحدة بل تشمل العديد من المناطق الريفية الأخرى، معضلة النقص الفادح في الماء الذي برز بشكل كبير نتيجة التغيرات المناخية المتسارعة التي عجّلت بارتفاع متواصل في درجات الحرارة، ولاسيما خطر الجفاف المحدق بالبلاد في ظل شح الموارد المائية إلى درجة إطلاق الكثير من الخبراء والمختصين صيحة فزع ، بأن تونس بلغت مرحلة الفقر المائي.
كما تعكس هذه الصور الصادمة فشل السياسات المائية المعتمدة منذ قرون في تحقيق الأمن المائي والتنمية والعدالة المائية لكل المواطنين على أسس من المساواة التي تضمن الحق في العيش الكريم للجميع. ويشكوا التونسيون من عام الى آخر من اهتراء المنظومة المائية بفعل التغيرات المناخية وفشل السياسات في التصدي لها حيث أبرزت أيضا في عام 2022 صور فيديو موثقة من طرف المجتمع المدني صعوبة التزود بالماء الصالح للشرب ،حقائق خالها التونسيون انتهت وخلت استعملت إلى درجة أن الفيديوهات تذكر بعهود خالها التونسيون انتهت من استعمال صهاريج المياه والدواب لجلب الماء.
وفي نقاط مشتركة ما بين ذلك الماضي وهذا الحاضر أصدر قسم العدالة البيئية للمنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية فرع القيروان في 23 أوت 2023 بيان مساندة لأهالي منطقة الأرباع بالقيروان يوثق من خلاله واقعا مخالفا تماما للحقوق الأساسية التي شرعها الدستور، واقع يكشف معاناة حوالي 115 عائلة في منطقة الأرباع من عمادة اسيسيبب من معتمدية السبيخة بولاية القيروان من شبح العطش والغياب الكلي للماء الصالح للشرب والذي تسبب بحسب ما وثقه المنتدى في العديد من الأمراض لدى المتساكنين خاصة مرض الكلى لدى الأطفال والشيوخ وآلام الظهر لدى النساء والرجال وهو ما زاد في حالة الاحتقان والغضب واندلاع التحركات الاحتجاجية التي شهدتها المنطقة مؤخرا بسبب عزلتهم وعدم ربط منطقتهم بشبكة الماء الصالح للشراب الذي تضمنه الدولة عن طريق الشركة التونسية لاستغلال وتوزيع المياه حيث مازال أهالي الأرباع منذ سنة 2005 إلى اليوم يطمحون إلى ربطهم بالشبكة لكن جميع تحركاتهم باءت بالفشل.
الأرياف المنكوبة
وأكدت منيارة مجبري عضو بقسم العدالة البيئية للمنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية فرع القيروان في تصريح لـاالصحافة اليومب أن حوالي 60 الف مواطن في الولاية محرومون من الحق الطبيعي والكوني والدستوري في التمتع بالمياه الصالحة للشرب لا عن طريق الشركة التونسية لاستغلال وتوزيع المياه ولا عن طريق الجمعيات المائية التي تحولت اليوم إلى معضلة هيكلية في منظومة المياه نظرا لكثرة المشاكل والتعقيدات التي تشوب عمليات توزيع المياه.
وأفادت مجبري بوجود العديد من المشاكل الهيكلية التي أدت إلى حرمان المواطن من حقه في الماء إضافة إلى وجود تفاوت كبير بين مختلف مناطق الجمهورية وعدم مساواة بين المواطنين في التمتع بحقهم في الماء، داعية إلى ضرورة مراجعة السياسات المائية والتشريعات من خلال إعادة هيكلة المنظومة المائية وإصلاح مجلة المياه بشكل تشاركي كما طالبت مجبري بضرورة تركيز إدارات جهوية للشركة التونسية لاستغلال وتوزيع المياه لتسهيل عمليات ربط المناطق المحرومة بالماء الصالح للشراب لاسيما وانه هناك قرارا وزاريا في هذه المسألة لكنه لم يطبق إلى اليوم حسب قولها.
بدورها جددت إيناس لابيض منسقة قسم العدالة البيئية للمنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية في تصريحها لـاالصحافة اليومب دعوتها إلى االإسراع في المصادقة على مشروع قانون مجلة المياه الجديدة، مؤكدة أن العديد من المناطق في الجمهورية لاسيما الريفية والقروية والمناطق الداخلية منها مازالت تعيش فياعزلة تامة جغرافية واقتصادية واجتماعية وغير مبرمجة للربط بشبكة الصوناد بسبب تعلات مادية بحتة مثل التعلل بارتفاع كلفة الربطب . كما لا يزال 300 ألف من مواطني تونس محرومين من التمتع بحقهم في الماء الصالح للشراب وظل مصدرهم الأساسي في التزود بالمياه منذ عقود خلت إلى يومنا هذا العيون والأودية والحفر مع حيواناتهم موضحة بأن السياسة المائية المعتمدة في تونس غير ناجعة كما لا يوجد إطار قانوني منظم يضع مياه الشرب في أولوية استعمالات المياه مبينة بأن 80 بالمائة من المياه يتم استغلالها من قبل قطاع الفلاحة و19 بالمائة فقط تذهب للمواطن فيما يتم استغلال الباقي في قطاعات السياحة والصناعة.
وأكدت لابيض بأن الوقت قد حان لوضع مشروع مجلة المياه الجديدة على الطاولة من أجل المصادقة عليها كحل من الحلول التي من شأنها أن تعيد هيكلة منظومة المياه وتحدث تغييرا جذريا في السياسات المعمول بها حاليا وذلك على أسس صحيحة تعيد للمواطن كرامته وإنسانيته وحقه المسلوب منذ زمن بعيد وذلك من خلال اعتبار الماء قيمة اجتماعية وإنسانية لا مجرد مصدر لتحقيق الأرباح المادية. ودعت أيضا محدثتنا إلى ضرورة إفراد قطاع المياه بوزارة خاصة به ذات سيادة توكل اليها مهام تنظيم القطاع وإعادة هيكلته والتوقف الفوري عن اسداء التراخيص لشركات التعليب التي باتت ترتكب تجاوزات كبيرة في حق المواطن وأصبح هدفها الأساسي تحقيق الغايات الربحية بشكل جعل عددها يتفاقم ووصل إلى 30 شركة تنشط في 13 ولاية هي من بين أكثر الولايات التي تعاني العطش.
كما عرجت لابيض في حديثها على زيارة الخبير الأممي الذي سجل مجموعة من التحديات التي تواجه تحقيق العدالة في توزيع مياه الشرب، خصوصاً في الأرياف حيث كشف عن وجود العديد من النقائص ونقاط خلل كثيرة في المنظومة المائية وحقائق صادمة لا تليق بتونس دولة القانون والحريات التي راهنت على تحقيق كرامة المواطن وضمان العيش الكريم لكل المواطنين ومنها أن 57 في المائة فقط من التونسيين يحصلون على مياه شرب مأمونة، بينما ما يزال 650 ألف شخص لا يحصلون على المياه الصالحة للشرب في بيوتهم، ومعظمهم يقطنون المناطق القروية والريفية كما سجل المقرر الأممي خلال زيارته لعدد من مناطق البلاد تزايد االاستغلال المفرطب للمياه وانتشاراً للآبار غير القانونية، مبرزاً أن ذلك ايزيد التنافس على المياه، ما يعرض حقوق الإنسان في مياه الشرب الآمنة والصرف الصحي للخطرب.
التطورات الجديدة في ملف الأعوان المتعاقدين بوزارة التربية : هل هي بداية الانفراج للقطع النهائي مع آليات التشغيل الهش؟
بعد سنوات طويلة من النضالات المتواصلة من أجل حلحلة ملفهم الذي ظل يراوح مكانه بسبب عدم تجا…