حتى لا يبقى “مسرح الدولة” فارغا: إلى متى يتواصل الشغور في المناصب العليا ؟
هذا السؤال الحارق يفرض نفسه اليوم أكثر من أي وقت مضى ويطرحه الجميع دون استثناء سواء تعلق الأمر بعموم التونسيين أو بالطبقة السياسة موالاة ومعارضة.
ويتخذ هذا السؤال مشروعية طرحه من حتمية استرجاع الدولة لهيبتها كاملة ودورها وذلك لا يمكن أن يتوفر في ظل وجود شغورات على أعلى مستوى سواء في الوزارات أو الولايات أو التمثيليات الدبلوماسية.
هنا نحن أمام فرضيات عديدة يقدمها المحللون والمتابعون للشأن السياسي كل حسب تموقعه ولذلك تبدو أحيانا متضاربة.
في هذا الصدد ثمة مقاربات عديدة أيضا بشأن ملء هذا الشغور وتكليف مسؤولين جدد في هذه المناصب فهناك من يرى أنه من الحتمي اعتماد الكفاءة كمعيار أساسي ووحيد لتبوّء المناصب العليا في الدولة من أجل ضمان النجاعة و الفاعلية في سياق سياسي واجتماعي دقيق.
وهناك من يرى أن هذه الفترة تحتاج إلى تكليف أصحاب الولاء لأنهم الأجدر بالثقة حتى وإن كانت خبرتهم أو كفاءتهم أقل لضمان الاستقرار السياسي والقضاء على كل تلاعب أو استغلال نفوذ.
وثمة مقاربة أخرى ترى أنه من المفيد أن يجمع المسؤول بين الكفاءة وبين الولاء وينبغي البحث بل التنقيب عمن تتوفر فيه الصفات لضمان النجاح في المسار بأكمله وعلى كافة المناحي.
ومادمنا في قلب التساؤل عن تواصل الشغورات في مناصب ذات صلة بحياة المواطنين وتؤثر في معيشهم اليومي ثمة فرضيات يتقدم بها البعض لتفسير هذا الأمر برمته.
الفرضية الأولى تقدم من قبل المساندين لرئيس الجمهورية والذين يعتبرون وجود هذه الشغورات منذ فترة طويلة دليل تريث ودقة في البحث عن الشخصية المناسبة للمنصب المناسب حتى لا يحدث الخذلان أو عدم النجاعة والوقوع في أخطاء قد تكون خطيرة في هذه الظرفية الدقيقة جدا.
وهناك من يعتقد بأن الفرضية الأقرب للواقع هي عدم الثقة والحرص على القيام بـ افرزب دقيق للظفر بالشخصية المناسبة وعدم السقوط في التعيينات بشكل عشوائي كما حدث طوال العشرية الماضية مع اعتماد المحاصصات ومنطق الغنائم.
ويمضي بعض خصوم رئيس الجمهورية قيس سعيد في هذا السياق إلى القول بأنه لم يجد الكفاءة والخبرة التي يبحث عنها في المساندين له. بل يمضي بعضهم بعيدا إلى القول بأن الضرورة تقتضي العودة الى الكفاءات حتى وان كانت من المحسوبة على جماعة ما قبل الثورة وهذا مجال نقاش واختلاف كبيرين بين معارض ومؤيد.
ولكن ما يعنينا هنا هو أن بلادنا لم تعد تستطيع الانتظار لأن الاستحقاقات كبيرة سياسية واقتصادية واجتماعية وأمنية ولابد من وجود مسؤولين في كل المناصب لوضع الاستراتيجيات المحكمة والسياسات الناجعة بهدف إنقاذ ما يمكن إنقاذه.
فإلى حدود كتابة هذه السطور ما تزال وزارة الصناعة والمناجم و الطاقة مثلا على أهميتها دون وزير منذ إعفاء السيدة نائلة نويرة القنجي وكذلك الشأن بالنسبة إلى وزارة التشغيل والتكوين المهني منذ إقالة السيد نصر الدين النصيبي الذي كان يشغل أيضا خطة ناطق رسمي باسم الحكومة. كما لا ننسى أن الرئاسة دون مدير ديوان منذ مغادرة رئيسة الديوان السابقة نادية عكاشة ودون مستشار إعلامي.
أما بالنسبة إلى الولاة، فإن عددا لا يستهان به من الولايات ما يزال يعاني شغورا في المنصب السياسي والإداري الأهم فيها على غرار ولايات تونس وصفاقس وقابس على سبيل الذكر وليس الحصر.
يأتي هذا في سياق تحتاج فيه تونس إلى ضمان كل سبل الاستقرار لاسيما وأن بلادنا مقبلة على أحداث هامة فنحن على أبواب العودة المدرسية ثم العودة السياسية بما تحمله من استحقاقات مهمة بالإضافة إلى انطلاقة الموسم الفلاحي الجديد وكلها احداث تتطلب حضورا للمسؤولين في الجهات وفي مقدمتهم الوالي. مع العلم أنه في التنظيم الإداري التونسي فإن الوالي يتولى نيابة رئيس الجمهورية في ولايته وهو منصب رفيع لابد أن يكون من يتبوؤه أن يكون على قدر عال من الكفاءة والجدية. وهنا يقول بعض من يبرر هذه الشغورات الكثيرة في الولايات إن المعتمد الأول يقوم بمهمة الوالي والأحرى هنا ان يتم تكليف هذا المسؤول إذا ثبتت جدارته بمنصب الوالي إذن.
أما بالنسبة إلى الشغورات الكثيرة الموجودة في البعثات الدبلوماسية فإنه ثمة حراك لا يمكن أن ننكره بهذا الخصوص منذ تولي السيد نبيل عمار مقاليد وزارة الشؤون الخارجية وبالفعل تم اعتماد سفراء في بعض العواصم لكن هذا لا ينفي وجود شغور في بعض البلدان المهمة بالنسبة إلينا ولابد من وجود سفراء وقناصل هناك لدعم علاقاتنا الاقتصادية والسياسية والدبلوماسية بهذه العواصم.
التشغيل في تونس : «أم المعارك» التي لا بدّ من خوضها
لا شك ان احد الرهانات المطروحة على تونس اليوم هو التشغيل بكل ما يعنيه هذا الملف من تعقيد …