“الشيك دون رصيد”- نحو تعديل المنظومة التشريعية: حتّى لا يضيع حقّ الدّائن ولا تسلب حريّة المدين..
بعد طول انتظار يبدو ان الاستجابة لدعوات مئات الآلاف من التونسيين الملاحقين بسبب قضايا الشيك بدون رصيد وآخرين يقبعون في السجون لعدم القدرة على الخلاص باتت قريبة. ففي منتصف جويلية الفارط طالبت وزارة العدل بمهلة من أربعة الى خمسة أسابيع لتقديم مقترح مشروع قانون يتعلق بتنقيح أحكام الفصل 411 من المجلّة التجاريّة. وفي هذا الإطار عقدت وزيرة العدل ليلى جفال أمس الأول جلسة عمل حضرها عدد من الإطارات السامية بالوزارة خصصت للنّظر في هذا المقترح.
وحسب بلاغ لوزارة العدل نشرته على صفحتها الفيسبوكية الرسمية ان جلسة العمل تطرقت إلى مختلف جوانب مشروع القانون الجديد الذي يهدف إلى دعم أمان وموثوقية التعامل بالصكوك البنكية من خلال تكريس مسؤولية المؤسسات البنكية والمصرفية وحوكمة علاقتها بحرفائها. ويهدف أيضا الى تعديل المنظومة القانونية للشيكات نحو تسوية وضعية المدين وضمان حريته مع الحفاظ على حقوق الدائنين في استخلاص المبالغ المستحقة. كما تطرقت جلسة العمل ايضا إلى الأحكام الخاصة التي سينتفع بها الأشخاص موضوع تتبعات جزائية جارية أو من صدرت ضدهم أحكام جزائية من أجل إصدار شيكات دون رصيد.
وقد جاء في هذا البلاغ ايضا ان وزارة العدل قد أولت أهمية كبرى لمشروع القانون الجديد الخاص بقضايا الشيك من دون رصيد نظرا الى انه يحظى بمتابعة خاصة من قبل رئيس الجمهورية قيس سعيد من جهة، وهو من جهة اخرى يندرج ضمن دعم دور العدالة في دفع الاقتصاد الوطني وتطوير المنظومة التشريعية في مجال قانون الأعمال ومراعاة الظروف الاجتماعية والمالية للمتعاملين الاقتصاديين وأصحاب المؤسسات خاصة الصغرى منها والمتوسطة.
وتجدر الإشارة في هذا الإطار الى ان الرئيس كان منذ شهر ماي الفارط قد تطرق مع وزيرة العدل الى مسالة إجراء تغيير على الفصل 411 من المجلة التجارية ووضع مشروع جديد يحقق التوازن المنشود بين حقوق الدائنين على اعتبار انها يجب ان تكون محفوظة والإفراج عمن تمّ الحكم عليهم من أجل إصدار صكوك بدون رصيد من السجون. وذلك لأنه وفق احكام الفصل المذكور لا الدائن منتفع ولا المسجون قادر على تسوية وضعيته من وراء القضبان. علما وان هذا الفصل من المجلة التجارية ينص على انه ايعاقب بالسجن مدة خمسة أعوام وبخطية (غرامة) تساوي ٪40 من مبلغ الشيك أو من باقي قيمته على ألا تقل عن ٪20 من مبلغ الشيك أو باقي قيمته كل من أصدر شيكاً ليس له رصيد سابق وقابل للتصرف فيه أو كان الرصيد أقل من مبلغ الشيك أو استرجع بعد إصدار الشيك كامل الرصيد أو بعضه أو اعترض على خلاصهب.
ويعتبر إلغاء عقوبة الحبس للملاحقين في قضايا الشيكات عبر إلغاء أحكام الفصل 411 من المجلة التجارية حلاّ لإنهاء معاناة آلاف التونسيين، الذين من أبرزهم صغار ومتوسطو المستثمرين الذين يلجؤون الى استعمال الشيكات كوسيلة دفع مؤجلة بسبب نقص السيولة لديهم. وقد سجلت بلادنا سنة 2022 حسب مصادر مطلعة أرقاما قياسية في عدد الشيكات المرفوضة من قبل البنوك العام الماضي، وفرار آلاف التونسيين إلى الخارج هربا من أحكام سجنية بسبب دخولهم دائرة العجز المالي نتيجة للأوضاع الاقتصادية بصفة عامة.
وحسب إحصاءات قدمتها الجمعية الوطنية للمؤسسات الصغرى والمتوسطة فإن 7200 تونسي يقبعون في السجون بسبب عدم خلاص الشيكات، اما عدد الفارين من الأحكام فيقدر بـ 420 ألفا من بينهم 10800 هربوا خارج التراب التونسي. ولتفادي هذه الوضعيات فان الجمعية التونسية للحق في المحاكمة العادلة كانت قد اكدت على انها بصدد تدارس وضع مقترح بشأن تنقيح الفصل المذكور في اتجاه التنصيص على إلغاء العقوبة السجنية مقابل فرض قيود إدارية وجبائية على المطالب بالدفع. وهو مقترح يسمح للمطالب بالخلاص بمواصلة نشاطه رغم القيود، بما يمكنه من توفير الأموال المطالب بدفعها وذلك حماية لحقوق الدائنين.
وفي هذا الإطار وباتفاق اغلبية أعضائها على إعطاء الأولوية لمسألة تنقيح الفصل 411 من المجلة التجارية، انطلقت لجنة التشريع العام بمجلس نواب الشعب منذ جويلية الفارط في عقد جلسات استماع لمختصين ومسؤولين في القطاع المالي والبنك المركزي وهيئات القضاة والمحامين، من أجل صياغة نص قانوني جديد بشأن جرائم الشيك دون رصيد بهدف إيجاد حلول لتسويات تحمي الحقوق المالية للطرفين بعيدا عن العقوبات السالبة للحرية.
وحرصا منها على استكمال النظر في مشروع القانون الجديد الخاص بقضايا الشيك من دون رصيد فان لجنة التشريع العام بالبرلمان باعتبارها لجنة قارة فإنها بمقتضى الدستور مستمرة في أشغالها رغم دخول البرلمان في عطلة برلمانية. وقد صرح رئيسها ياسر القوراري إعلاميا منذ حوالي الأسبوع أن أعضاء اللجنة في انتظار أن يرد عليهم المشروع المتعلق بتنقيح الفصل 411 من المجلّة التجاريّة المتعلّق بقضايا الشيكات.
وأوضح القوراري ان اللجنة قد عقدت عدة جلسات استماع للجهات المعنية ومن بينها وزيرة العدل، التي تعهدت خلال جلسة استماع لها بتاريخ 12 جويلية بأن تقع إحالة المشروع في غضون شهر إلى رئيس الجمهورية. وهو ما يدفع الاخير الى توقع ان المشروع المنتظر في لمساته الأخيرة لدى وزارة العدل وانه سيحال قريبا إلى رئيس الجمهورية، كما انه من الوارد أن تنظر لجنة التشريع العام في هذا المشروع أوائل شهر سبتمبر القادم. ليؤكد على أنه بمقتضى الدستور يمكن عقد جلسة برلمانية عامة لمناقشة المشروع والمصادقة عليه خلال العطلة البرلمانية. وذلك بطبيعة الحال بدعوة من رئيس الجمهورية أو من قبل 30 نائبا.
بعد أن كشفت زيارات الرئيس الميدانية تقصير المسؤولين الجهويين : العمل الميداني أصبح من ركائز عمل الولاّة
كشفت الزيارات الميدانية ذات الطابع الفجئي التي أداها رئيس الجمهورية قيس سعيّد الى مختلف ال…