نحتاج إلى الصراحة.. والمقاومة الشاملة: حتى لا تتكرّر أزمة الخبز..!
أخيرا تفاعلت الهيئات والمؤسسات الرقابية والأمنية مع رئيس الجمهورية قيس سعيد، وتم في وقت قياسي نسبيا الكشف عن مخالفات كثيرة تقترفها بعض المطاحن علاوة على إيقاف أحد الناشطين البارزين في قطاع المخابز.
والتفاعل كما هو ملحوظ، حصل مباشرة بعد الاجتماع الذي أشرف عليه ساكن قرطاج مطلع الأسبوع الجاري وتحديدا مساء الاثنين، وحضره رئيس الحكومة إلى جانب وزيري الداخلية والتجارة وعدد من الإطارات الأمنية وتم خلاله التطرق إلى حملة المراقبة على المطاحن.
ودعا رئيس الجمهورية بالمناسبة إلى ضرورة تطبيق القانون على من يختلقون الأزمات كل يوم بغاية تأجيج الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية على حد تعبيره، وأكد على ضرورة مواصلة اليقظة واستمرار المراقبة تحسبا لأي محاولات بائسة لافتعال أزمات جديدة.
ليس ذلك فحسب، فقد أشرف رئيس الجمهورية على جلسة عمل رفيعة المستوى أول أمس الخميس 17 أوت 2023، ضمت رئيس الحكومة ووزراء الداخلية والمالية والشؤون الاجتماعية، ومن بين النقاط الرئيسية للاجتماع مقاومة الاحتكار وتطبيق القانون على الجميع، وكانت مناسبة أيضا لساكن قرطاج للتأكيد على وحدة الدولة وضرورة تناسق أعمال كل مؤسساتها وتناغم المسؤولين فيها.
وفي رسالة واضحة ومشفّرة في نفس الوقت، قال رئيس الجمهورية قيس سعيد لرئيس حكومته أحمد الحشاني إن الدولة لا تُدار عبر صفحات الفيسبوك بل إنها تدار من قبل من هو مسوؤل فيها، وأنه لا وجود لأي شخص يمكن أن يتكلم باسم الدولة إلا إذا كان له سند قانوي داخلها.
واللاّفت في مختلف إطلالات الرئيس قيس سعيد هذه الأيام، تمسكه بموقفه من قراءة أزمة الخبز على أنها أزمة مفتعلة ومؤامرة ويجب ان لا تتكرر خاصة وان البعض حسب رأيه يخطط لاختلاق أزمات أخرى في علاقة بالمواد الأساسية.
وحتى لا تتكرر أزمة الخبز ـ المؤامرة ـ لا مناص من التشخيص السليم ومن الصراحة في كشف التقييم وتطوير طريقة وأشكال المقاومة حماية للعباد والبلاد .
ان الصراحة في تقديرنا تقتضي الإقرار بان أزمة الخبز وأزمة بقية المواد الأساسية المدعومة بشكل خاص، ما كان لها ان تصل الى الذروة لولا تظافر جملة من الشروط والأسباب والمسببات، ولا يمكن بداية القفز على السياق الدولي فالأوضاع العالمية كارثية زادتها الحرب الروسية الاوكرانية تعقيدا بما ان الأمر يتعلق ببلدين من اكبر البلدان المنتجة للحبوب في العالم اضافة الى ان الحرب بينهما اندلعت مباشرة ونحن نكاد نلتقط الأنفاس من الحرب على الكوفيد.
هذا المناخ الدولي وجد أرضية جد مناسبة في تونس المنهكة، انضاف الى بؤس عقود ما قبل وبعد الاستقلال، بؤس ما جاء بعد ملحمة 14 جانفي 2011 غير المكتملة حيث فرطت منظومات الحكم المتعاقبة على منجزات الدولة الوطنية على علاتها بشكل جعل الدولة ومؤسساتها هشة غير محصنة بل وأرضا خصبة لتنامي كل أشكال الجرائم بدءا بالفساد والاحتكار والتهريب والإرهاب وغيرها..
وعندما نتوقف عند المعلومات التي رشحت بعد إيقاف رئيس نقابة المخابز مثلا وكذلك حملات التفقد في بعض المخابز والمطاحن نكتشف حجم الخراب الذي سهّل ووفر التربة الخصبة لاستفحال الأزمات وهنا يطرح أكثر من سؤال كيف لشخص واحد ان يمتلك أكثر من مخبزة؟ بأي صيغة وبأي طريقة وكيف ينتفع هذا او ذاك بالدقيق المدعم وكيف يفرط البعض ايضا فيما يتحصل عليه من دقيق مدعم كعلف او كمادة اولية لمصنعي الخبز والمرطبات لو لم يكن ثمة إفلات من العقاب وتغاض عن تجريم هذه الممارسات لولا ذلك لما تحدى هؤلاء الدولة والمجتمع.
وهنا أيضا لا يمكن تبرئة المواطن الذي صمت عن الباطل فالسكوت عن الباطل كما يقال باطل أيضا وهذا ما يجعل المقاومة الثقافية والتربوية ان جاز القول من بين الميادين التي يجب ان تشملها الحرب على الاحتكار والفساد.
في غضون ذلك ثمة بصيص امل يستغرب المرء ان تتحدث عنه المنظمة الشغيلة مثلا وبعض الإعلام الوطني وحتى الأجنبي في الوقت الذي تصمت فيه السلطة في كل مستوياتها وكان في الأمر سرا أو كأن في الأمر سوء تقدير لأهمية هذه المعلومة التي لا نقول انها تدحض رواية المؤامرة ولكنها تنسبها وتبشر التونسيين وهذا هو الأهم بأن القادم افضل.
لقد مرت ساعات وربما أيام على كشف رسو مجموعة من البواخر المحملة بالحبوب والشعير في الموانئ التونسية وفق مصادر نقابية رسمت حتى صورا وخرائط رقمية، ورغم ذلك لا تعليق رسمي على الموضوع.
ان ازمة الخبز وغيرها من الازمات التي تقض مضجع التونسيين يجب ألاّ تتكرر لكن ثمة فرق بين الامنيات وبين تحقيقها فجميل ان نتمنى ونحلم بعدم تكرار الازمات لكن ذلك يستوجب منا عملا جبارا ومقاومة شاملة أمنية وقضائية وسياسية وثقافية وتربوية حتى نعالج الازمة الراهنة والاهم من ذلك نحصّن انفسنا من تكرارها وهذه هي الحكمة التي يجب ان تقودنا في كل المعارك من اجل تونس الجديدة.
في تفاعل بعض الوزراء مع نواب المجلسين : شيء من الواقعية وشيء من المبالغة أيضا..!
تتواصل تحت قبة البرلمان هذه الأيام الجلسات العامة المشتركة بين مجلس نواب الشعب والمجلس الو…